يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليختار في الدعاء قولاً لا تشمله الإجابة، ولو استجيب له لأفضى ذلك إلى انقطاع النسل، ولم يكن ليفعل ذلك، فلهذا عدل عنه، ونهى غيره عنه.
[١٧٠١] ومنه: قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:(اللهم، إني أعوذ بكمن الهم والحزن).
ظن بعضهم أن الهم والحزن يتحدان في المعنى، وإنما عطف أحدهما على الآخر؛ لاختلاف اللفظتين، وليس كما توهم، فإن الهم إنما يكون في الامر المتوقع، والحزن فيما قد وقع، [والهم: هو] الحزن الذي يذيب الإنسان، تقول: همني الشيء، أي: أذابني، وسنام مهموم، أي: مذاب، قال الراجز:
وأنهم مهموم السنام الوادي
ويقال: أهمني: إذا طرح في قلبه الهم، والمثل:(همك ما أهمك) كما تقول: شغلك ما شغلك.
وعلى هذا الذي ذكرناه: يصح أن يقال: الهم أشد الحزن ومعظمه؛ لاقتران خوف الوقوع به؛ ولأن الشيء المتوقع من المكروه لا يزال يزداد تأثيره حتى يقع، فإذا وقع رجع أمره إلى الانحطاط، والحزن: خشونة في النفس لما يحصل فيها من الغم، وبهذا الاعتبار يقال خشنت بصدره إذ حزنته.
وفيه:(وأعوذ بك من العجز والكسل):
العجز: أصله التأخر عن الشيء، وحصوله عند عجز الأمر، وصار في التعارف اسماً للقصور عن فعل الشيء، وهو ضد القدرة.
والكسل: التثاقل عن الامر المحمود، مع وجود القدرة عليه، وقد مر تفسيره.
وفيه:(وأعوذ بك من غلبه الدين، وقهر الرجال):
غلبة الدين: أن يفدحه، وفي معناه:(ضلع الدين) يعني: ثقله حتى يميل صاحبه عن الاستواء؛ لثقله، والضلع- بالتحريك-: الاعوجاج.
وقهر الرجال: هو الغلبة، فإن القهر يراد به السلطان، ويراد به الغلبة، وأريد به- ههنا- الغلبة، لما في غير هذا الرواية:(وغلبة الرجال) كأنه يريد هيجان النفس من شدة الشبق، وأضافه إلى المفعول، أي: يغلبهم ذلك [١٧] إلى هذا المعنى يسبق فهمي، ولم اجد في تفسيره نقلاً.