فقطع يده ويد امرأته، فأتى قومه ينذرهم، فضرب به المثل، وأول أوجه؛ للمطابقة التي بين اللفظ والمعنى.
والظاهر أن قوما سمعوه من البهرانية، فأسندوه إليها، وقوم سمعوه من الخثعمي فأسندوه إليه، وقد كان مبنى القول على ما ذكرناه من التخريج، ثم صار مثلا لكل أمر يخاف مفاجأته، ولكل أمر لا شبهة فيه، والأمران معا اجتمعا في إنذار النبي - صلى الله عليه وسلم - لظهور الصدق في قوله واستبانة مظان الخوف عن وقوع ما ينذر به.
وفيه:(النجا النجا) أي: انجوا انجوا، يقال: نجوت من كذا نجاء- ممدود- ونجا، مقصور. وفيه:(على مهلهم) أي: على هينتهم وسكونهم، والمهل- بالتحريك- التؤدة والسكون، والإمهال والتمهيل: الإنظار، والاسم منه المهلة وفيه:(واجتاحهم) أي: استأصلهم يقال: جاحتهم الجائحة واجتاحهم، وجاح الله- عز وجل ماله، وأجاحه بمعنى، أي أهلكه بالجائحة.
[١٠٣] ومنه حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (مثلي كمثل رجل استوقد نارا، فلما أضاءت ما حولها ... الحديث) الإضاءة: فرط الإنارة، واشتقاقه من الضوء، وهو ما انتشر من الأجسام النيرة، يقال: ضاءت النار، واضاءت غيرها، يتعدى ولا يتعدى. وحول الشيء: جانبه الذي يمكنه أن يحول إليه، أو سمي بذلك اعتبارا بالدوران [٢٢/ ب] والإطافة، ويقال للعام حول؛ لأنه يدور، ويجوز أن يكون (أضاءت) غير متعدية، مستندة إلى (ما حولها) والتأنيث للحمل على المعنى؛ لأن ما حول النار أماكن وأشياء، وفي كتاب الله:{ما حوله} لأن المثل ضرب بحال المستوقد، فرجع الضمير إليه، وهاهنا ضرب المثل بوقوع الفراش في النار؛ لجهله بما يعقبه التقحم فيها، فرجع الضمير إلى النار، وفيه:(أنا آخذ بحجزكم).
حجزة الإزار: معقده، واستعير الأخذ بالحجزة للمنع الشديد؛ لأن الذي يمنع صاحبه عن الشيء يتمسك به؛ ليكون المنع أقوى وأشد، مع أن المأخوذ إذا أخذ بحجزته امتنع مما يمنع منه؛ حذرا من انحلال عقدة الإزار، وبدو السوءة، والحجزة أخذت من الحجز، وهو المنع بين الشيئين والفاصل بينهما، ومنه الحاجز.
وفيه:(هلم عن النار) قال الخليل: أصله: لم، أراد: لم نفسك إلينا بالقرب منا، و (ها) للتنبيه، وإنما حذفت الهاء لكثرة الاستعمال، وجعلا اسما واحدا، يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث في لغة أهل الحجاز، قال الله- تعالى-: {والقائلين لإخوانهم هلم إلينا} وقيل: أصله: هل أم، أي: هل لك في كذا، أمه: أي اقصده، فركب الكلمتان، فقيل: هلم ومعناه: هلم إلى واغرب عن النار.