للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه: (فتغلبوني وتقحمون فيها) فتغلبوني: النون مشددة منه؛ لأن أصله: فتغلبونني، فأدغم إحدى النونين في الأخرى. وقوله: (تقحمون) أي: ترمون بأنفسكم فيها، والتقحم: الدخول في الشيء من غير روية، وأكثر ما يستعمل في الشدة والأهوال المخيفة، والأخطار الشاقة، فهذه أمثال ضربت لمن جل انتفاعه بالعلم والهدى، فعلم وعلم فانتفع بعلمه، وانتفع به غيره، ولمن قل حظه من الانتفاع بالعلم في نفسه، وانتفع به غيره، ولمن لم يستعد أصلا لقبول العلم والهدى، فلم ينتفع بهما.

[١٠٤] ومنه حديث أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث ..)

يقال: مثل الشيء: إذا انتصب وتصور، وأصل المثول: الانتصاب، والممثل المصور، والمثل: عبارة عن قول في شيء يشبه قولا في شيء آخر، بينهما مشابهة، ليبين أحدهما الآخر ويصوره، والغيث: المطر، وإنما ضرب المثل بالغيث؛ للمشابهة التي بينه وبين العلم، فإن الغيث يحيي البلد الميت، والعلم يحيي القلب الميت، وقد كان الناس في الزمان الأول قبل المبعث، وهم على فترة من الرسل قد امتحنوا بموت القلب/ ٢٣ أونضوب العلم، حتى أصابهم الله برحمة من عنده، فأفاض عليهم سجال الوحي السماوي، فأشبهت حالهم حال من توالت عليهم السنون وأخلفتهم المخايل، حتى تداركهم الله بلطفه، وأرخت عليهم السماء خزاليها ثم كان حظ كل فريق من تلك الرحمة على ما ذكره من الأمثلة والنظائر، وفيه: (فكانت منها طائفة طيبة) الطائفة من الشيء: قطعة منه. وفيه: (وكانت منها أجادب) الأجادب: صلاب الأرض التي تمسك الماء فلا يسرع إليه النضوب. وقد اختلف في هذا الحرف، فمنهم من رواه بالحاء والراء، وليس ذلك بشيء، ومنهم من قال: إنما هي: أجارد، بالجيم والدال، جمع جرداء وهي التي لا تنبت الكلأ فيسترها النبات، وقال بعضهم: إنما هي أخاذات، سقط منها الألف، فصحفت، والأخاذة: شيء كالغدير، وجمعها السماعي أخاذ، وقد رواها أناس أخاذات كذلك، حتى خرجت من جملة الشذوذ، وأوضح هذه الألفاظ من طريق الرواية الأجادب، وأقومها من طريق اللغة الأجارد، غير أنها لا تثبت رواية. وفيه: (إنما هي قيعان) القاع: المستوى من الأرض، والجمع: أقوع وأقواع وقيعان، لم نجد أهل اللغة يزيدون في تفسير القيعان على هذا شيئا، والذي يدل عليه نسق الحديث هو أن القاع هي الأرض المستوية الملساء، التي لا تنبت؛ لأن الغالب على هذا النوع أن لا تنبت، ومنها السراب اللامع، قال الله تعالى: {كسراب بقيعة} والقيعة، مثل القاع، وأصلها الواو، وكذلك القيعان، وإنما صارت الواو ياء لكسرة ما قبلها.

<<  <  ج: ص:  >  >>