[١٠٥] ومنه حديث عائشة رضي الله عنها: (تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {هو الذي أنل عليك الكتاب} ... الحديث) قد افتقرنا في بيان هذا الحديث إلى الكشف عن المراد بالحكم والمتشابه؛ ليتبين لنا المحق عن المبطل في أبواب التأويل، فنقول وبالله التوفيق: المحكم ما لا يعرض فيه شبهة من حيث اللفظ، ولا من حيث المعنى، فكأن عبارته أحكمته: بأن حفظت عن الاحتمال والاشتباه، ثم بأن عصمت عن النسخ. وقيل: المحكم، ما أجمع على تأويله. وأما قوله- تعالى-: {هن أم الكتاب} أي: أصله؛ فتحمل المتشابهات عليها، وترد إليها. وقيل: أم الكتاب أي معظمه. ويقال لمعظم الطريق أم الطريق.
وأما المتشابه، فإنه من حيث الاعتبار اللفظي: ما أشكل تفسيره؛ لمشابهة غيره، ومن حيث الاعتبار المعنوي: ما لا ينبئ ظاهره عن مراده الذي يقتضيه النظر، وأن المتشابه [٢٣/ ب] على أقسام:
فمنها ما يرجع إلى الألفاظ المفردة للاشتراك، ومنها ما يرجع إلى جملة الكلام المركب لاختصار الكلام أو لبسطه، أو للتقديم والتأخير في نظمه، ويدخل في جملتها العموم والخصوص والوجوب والندب، والناسخ والمنسوخ ومنها ما يشتبه من جهة المكان والأمور التي ترد فيها أو في جهة الشروط التي بها يصح الفعل، أو يفسد، وكل هذه أقسام يجوز للعلماء الفحص عنها، بل يجب عليهم بيانها، وكل ذلك متشابه من وجه، وغير متشابه من وجه فلا يسمى متشابها على الإطلاق، بل هو متشابه بالنسبة إلى من لم يتقنه رواية ودراية، وعليه أن يحذر من التعرض له.
وهناك قسم آخر، هو المتشابه على الإطلاق فيجب الإيمان به، وترك التعرض به للكيفية، والتوقي عن استعمال القياس فيه، فمنه صفات الله- تعالى- التي لا كيفية لها، وأوصاف القيامة التي لا سبيل إلى إدراكها بالقياس والاستنباط، ولا سبيل إلى استحضارها في النفوس، إلا أنها معرفة على لسان الشارع-