مما أحب، فاجعله فراغاً لي فيما تحب): زويت الشيء: جمعته وقبضته، يقال: زوى فلان المال عن وارثه زياً، وفي حديث، قال عمر رضي الله عنه للنبي - صلى الله عليه وسلم -: (عجبت لما زوى الله عنك من الدنيا) أي: لما نحى عنك، وفي الحديث:(أعطاني ربي ثنتين، وزوى عني واحدة) أي: صرفها عني، فلم يعطني.
ومعنى الحديث: اجعل ما نحيته عني من محابى عوناً لي على شغلى بمحابك؛ وذلك أن الفراغ خلاف الشغل، فإذا زوى عن الدنيا ليتفرغ لمحارب ربه، كان ذلك الفراغ عوناً له على الاشتغال بطاعة الله.
[١٧٣٣] ومنه: قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عمر رضي الله عنهما (ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحيينا، واجعله الوارث منا):
حقيقة الوارث اذي يرث ملك الماضي؛ وعلى هذا: ففي تأويل هذا الحديث عسر، ومن الله التيسير، وقد ذكر الخطابي وغيره في تأويله؛ أنه سأل الله تعالى أن يبق له السمع والبصر إذا أدركه الكبر، وضعف منه سائر القوى، ليكونا وارثي سائر القوى والباقين بعدها.
قلت: وعلى هذا فالإشكال بحاله؛ لأن قوله:(واجعله الوارث منا) بعد قوله: (ما أحييتنا) يحقق أنه أراد بذلك الإرث الذي يكون بعد فناء الشخص، وكيف يتصور فناء الشخص مع بقاء بعضه؟!