للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: وعلى هذا فالظاهر أنها كانت سكاء الأذن، فاعتورتها هذه الأسماء، ظنا منا لواصفين أنها كذلك، وقد بينا الألفاظ المختلفة في وصفها على ما جاءت بها الروايات في (كتاب المناسك)، وشرحناها على وجه التسديد والتوفيق، فمن أحب التثبت فليراجعه.

وفيه: (قال جابر: لسنا نعرف العمرة).

أي: لسنا نعرفها في أشهر الحج، وكان أهل الجاهلية يرون العمرة في أشهر الحج في أفجر الفجور، وإنما كانوا يعتمرون بعد مضيها، والعمرة في أشهر الحج إنما شرعت عام حج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن ذلك قصدهم حين خرجوا.

وفيه: (حتى انصبت قدماه في بطن الوادي):

يقال: صببت الماء فانصب، أي: سكبته فانسكب، وانصباب القدمين عبارة عن انحدارهما بالسهولة [٣٤/] في صيب من الأرض، وهو ما انحدر منها، وقوله: (سعى) أي: عدا.

وفيه: (وأصعدت قدماه) أي أخذتا في الصعود منا لوادي؛ والإصعاد: الذهاب في الأرض والإبعاد، سواء ذلك في صعود أو حدور، قال الله تعالى: {إذ تصعدون ولا تلوون على أحد} ومعناه في الحديث: ارتفاع القدمين من بطن المسيل إلى المكان العالي؛ لأنه ذكر في مقابلة الانصباب عند الهبوط في الوادي. وفيه (لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدى وجعلتها عمرة): المعنى: لو عملت من أمري في قبل منه ما علمته في دبر منه لجعلتها: الضمير عائد إلى الحجة؛ أي: جعلت الحجة عمرة كما أمرتكم به، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأي أن تكون الأنساك الثلاثة معمولاً بها، لئلا يظن ظان أن شيئاً منها متروك، ولما لم يكن يسعه أن يقوم بها جميعا فعل بعضها وأمر ببعضها ليأتسى كل منهم بما فعله، أو بما أمر به. ولما كانت الصحابة أشد الناس ولعاً باقتفاء هديه، وإيثار سنته لم يرد أن يكلهم إلى اختيارهم في ذلك، لأنهم لم يكونوا يعدلون غير صنيعه بما صنع، بل كانوا يهلون بما أهل هو به، ويدعون ما سوى ذلك، فلما أهل هو بهما اتبعه من عرف ذلك، أو قال: أهللت بما أهل به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد كان غمار الناس مفردين؛ لأنهم كانوا لا يعرفون القران ولا التمتع، ولو تركوا على ما هم عليه بقى أحد الأنساك وهو التمتع، مهملاً غير معمول به، فأمر من لم يسق الهدى منهم أن يرفض حجته، ويجعلها عمرة، وهذا أمر خصوا به من بين الامة، لا يجوز لأحد بعدهم رفض الحج إلى العمرة، ورد ذلك الأحاديث الصحاح، فكأن القوم تداخلهم غضاضة عن ذلك، وشق عليهم ما أمروا به، حتى قالوا ننطلق إلى منى وذكرنا يقطر، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - بما خامر ضمائرهم من الاضطراب، ولم يأمن عليهم الشيطان أن يزلهم، فقال: (لو استقبلت من أمري ..) الحديث؛ دفعاً لما استمر بهم من وحر الصدر، وإرشاداً لهم إلى أن الفضيلة كل الفضيلة في الائتمار بأمره، والإجابة إلى ما دعا إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>