للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه (دخلت العمرة في الحج ..) الحديث أي: دخلت في وقت الحج وأشهره، وكان أهل الجاهلية لا يرون ذلك على ما ذكرناه عنهم؛ فأبطل النبي - صلى الله عليه وسلم - ما كانوا عليه بقوله هذا. وقيل: معنى دخول العمرة في الحج: أن فرضها ساقط بوجوب الحج، وقال القائلون بوجوب العمرة: إن المعنى: دخلت العمرة في أجزاء أفعال الحج، فاتحدتا في العمل، واستدلوا بقول سراقة: ألعامنا هذا؟ فقال: لولا وجوب أصله لما توهموا أن يتكرر، ولم يحتاجوا إلى المسألة، والتأويل هو (٣٥/ أ/ جـ ٢) الاول، وكان سؤال سراقة كان عن العمرة في أشهر الحج، لما فهم من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأنى يستدل بهذا الحديث على وجوب العمرة، وجابر هو الذي روى عنه هذا الحديث في الجوامع الصحاح؛ كان شاهد الحال، وروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن العمرة، أواجبة هي؟ قال (لا، وأن تعتمر فهو أفضل) وهذا الحديث أخرجه أبو عيسى في كتابه، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

قلت: ولو زعم زاعم التقدم في حديثه هذا على الذي شرحناه، قلنا: لم يكن جابر ليروي هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ما سمع خلافه، ثم إن حديثه في نفي الوجوب قول فصل، والذي يدعيه تأويل على سبيل الاحتمال، والصحابي الذي روى أنها غير واجبه بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو كان معنى قوله: (دخلت العمرة في الحج) عنده على ما رأيتم لبين في أحد الحدثين، والصحابي أعرف بوجوه الخطاب.

وفيه: (حين فرضت الحج) أي ألزمته نفيه، وذلك بالتلبية أو بتقليد الهدى، أو بالنية بحسب ما يختلف العلماء فيه.

وفيه: (وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة) نمرة: بفتح النون وكسر الميم الجبل الذي عليه أنصاب الحرم، عن يمينك إذا خرجت من مأزمى عرفة تريد الموقف، وبقديد: موضع آخر يقال له: نمرة.

وفيه (أمر بالقصواء فرحلت له)، أي شد عليها الرحل، تقول: رحلت البعير أرحله رحلاً إذا شددت على زهره الرحل، قال الاعشى:

رحلت سمية غدوة أجمالها .... غضبي عليك فما تقول بدا لها

وفي: (إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا): أراد أموال بعضهم على بعض، وإنما ذكره مختصراً اكتفاء بعلم المخاطبين، حيث جعل (أموالكم) قرينة (دماءكم)، وإنما شبه ذلك في التحريم بيوم عرفة وبذى الحجة والبلد؛ لأنهم كانوا يعتقدون أنها محرمة أشد التحريم لا يستباح منها شيء، وفي تشبيه هذا مع بيان حرمة الدماء والأموال تأكيد لحرمة تلك الأشياء التي شبه بتحريمها تحريم الدماء والأموال.

وفيه: (ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضع) أي أبطلت ذلك، وتجافت عنه حتى صار كالشيء الموضوع تحت قدمي؛ تقول العرب في الأمر الذي لا تكاد تراجعه وتذكره: جعلت ذلك دبر أذني وتحت قدمي.

وفيه: (إن أول دم أضع من دمائنا دم ربيعة بن الحارث): بدأ في وضع دماء الجاهلية ورباها بين أهل الإسلام بأهل بيته؛ ليكون أمكن بين قلوب السامعين، وأسد لأبواب الطمع في الترخيص. وقوله: (من

<<  <  ج: ص:  >  >>