على ذلك، وانقطع عنها النزاع الذي هو حق الإيمان، وسمت المؤمنين وسمتهم؛ آذنت بأنها خالية عن القوى الإيمانية، عرية عن الصفات النورانية.
[١١٢] ومنه حديث معاوية- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله) قد ذكرنا معنى الأمة، والوجوه التي تتصرف عليها، فالمرادون بقوله:(أمتي) هم المجيبون لدعوته، وبقوله:(أمة) هم المؤثرون لهديه الآخذون بسنته، ووصفهم بقوله:(قائمة بأمر الله) وهم المراعون لطاعته، الحافظون عليها. وقوله:(حتى يأتي أمر الله) أي: القيامة، كقوله- تعالى-: {أتى أمر الله}.
[١١٣] وقوله- في حديث جابر- رضي الله عنه- الذي يتلو هذا الحديث:(لا يزال طائفة من أمتي) فالمراد بهم: المجاهدون في سبيل الله، وقد حمل الحديثان على جيوش الشام المرابطة في سبيل الله، نضر الله بها وجه الإسلام، فقيل: المرادون بالأمة القائمة هم المجاهدون، ومنهم من قال: هم العلماء، ومنهم من قال: هم أصحاب الحديث. والأظهر أن يحمل حديث معاوية على السواد الأعظم الذي يقيمون كتاب الله وسنة رسوله، وأولاهم بذلك العلماء الربانيون، والأئمة المقسطون، وعباد الله المقربون. وحديث جابر وما جرى مجراه من الحديث كحديث عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص وعمران بن حصن والمغيرة ابن شعبة وابن عمر وأبي الدرداء وأبي هريرة وأبي أمامة وثوبان وجابر بن سمرة، وسلمة بن نفيل الكندي- رضي الله عنهم- على الفئة الغازية بالثغور الشامية، نصر الله أهلها وجمع شملها.
[١١٥] ومنه حديث أبي هريرة- رضي الله عنه-: (بدأ الإسلام غريبا ... الحديث) معنى هذا الحديث أن الإسلام لما بدأ في أول وهلة نهض بإقامته والذب عنه أناس قليلون من أشياع الرسول - صلى الله عليه وسلم - ثم من أفناء الناس ونزاع القبائل فشردوهم عن البلاد، ونفوهم عن عقر الديار، يصبح أحدهم معتزلا مهجورا، ويبيت منتبذا وحدانا، ينكره الأهلون، ويباعده الأقربون، فهو بين الناس كالغريب؛ لقلة الأشكال وعوز الآلاف، لا يخالطه أحد، ولا يستأنس هو بأحد، فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أن أمر الإسلام في الآخر يعود