وفيه ما لا يخفى من أذية الحيوان، وقد نهى عن ذلك قولاً ثم استغني عنه بالتقليد، ولعله مع هذه الاحتمالات رأى القول بذلك؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حج وقد حضره الجم الغفير، ولم يرو حديث الإشعار إلا شرذمة قليلون.
رواه ابن عباس رضي الله عنه، ولفظ حديثه على ما ذكرناه.
ورواه المسور بن مخرمة، وفي حديثه ذكر الإشعار من غير تعرض للصيغة، ثم إن المسور- وإن لم ينكر فضله وفقهه- فإنه ولد بعد الهجرة بسنتين.
وروته عائشة، وحديثها ذلك أورده المؤلف في هذا الباب، ولفظ حديثها:(فتلت قلائد بدن النبي - صلى الله عليه وسلم - بيدي، ثم قلدها وأشعرها وأهداها فما حرم عليه شيء كان أحل له) ولم يتعلق هذا بالحديث بحجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما كان ذلك عام حج أبو بكر-رضي الله عنه- والمشركون يومئذ كانوا يحضرون الموسم، ثم نهوا.
وروى عن ابن عمر: أنه أشعر الهدى ولم يرفعه.
فنظر المجتهد إلى تلك العلل والأسباب، ورأى على كراهة الإشعار جمعاً من التابعين؛ فذهب إلى ما ذهب لسارع في العذر قبل مسارعته في اللوم، ولأسمع نفسه:(ليس بعشك فادرجي)، والله يغفر لنا ولهم ويجيرنا من الهوى؛ فإنه شريك العمى.
[١٨٣٦] ومنه: قول عائشة-رضي الله عنها- في حديثها:(فما حرم عليه شيء كان أحل له).
سبب هذا القول: أنه بلغها فتيا ابن عباس فيمن بعث هدياً إلى مكة: أنه يحرم عليه ما حرم على الحج حتى ينحر هديه بمكة، فقالت: ليس كما قال، وذكرت الحديث.
وقولها:(فتلت قلائدها من عهن) الضمير في (قلائدها) راجع إلى البدن، والعهن: الصوف، والعهنة: القطعة منه، وقيل: هو الصوف المصبغ ألواناً، وعلى ذلك فسر قوله سبحانه وتعالى:{وتكون الجبال كالعهن المنفوش}