فإن قيل: قد ورد من الأحاديث الصحاح في فضل يوم عرفة ما قد دل على أنه أفضل الأيام، وفي كتاب الله:{يوم الحج الأكبر} وهو يوم عرفة؛ فكيف التوفيق بين ذلك، وبين هذا الحديث؟
قلنا: أما قوله تعالى: {يوم الحج الأكبر} فقد اختلف في تأويله:
فقيل: يوم عرفة.
وقيل: يوم النحر، والأغلب والأقوى أنه يوم عرفة؛ لأن تعلق الحج به أقوى من تعلقه بيوم النحر؛ ألا ترى أن يوم عرفة لو فات فات إلى غير بدل وإلى هذا المعنى [٤٢/أ] التفت النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله:(الحج عرفة).
وأما الأحاديث فهي صحيحة، ولكن ليس في شيء منها أن يوم عرفة أفضل الأيام، والحديثان وإن لم يكن بينهما تضاد، أعني: حديث فضل يوم عرفة، وحديث فضل يوم النحر ولكننا أحببنا ان نقف على حقيقة المعنى في هذا الحديث، وعلى معرفة ما أشكل منه فوجدنا في الحديث الصحيح، ما قد دل على أن الأيام العشر أفضل الأيام، لأنها أحب الأيام إلى الله تعالى، وإذ قد وجدنا الفضل بعد يوم النحر ليوم القر، ووجدنا العشر من ذي الحجة أفضل الأيام وأحبها إلى الله تعالى ويوم القر ليس من جملتها- علمنا أن يوم عرفة غير داخل في جملة الأيام التي أفضلها يوم النحر والتخصيص جائز في مثل ذلك ذهابا إلى حضور معنى الخصوصية فيه، ويكون معنى قوله:(أفضل الأيام يوم النحر) أي: من أفضل الأيام؛ كما يقال: فلان أعقل الناس وأعلمهم، أي: من أعقل الناس وأعلمهم، وعلى مثل هذا يأول قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ما شيء في الميزان أثقل من خلق حسن) ومعلوم أن الإيمان أثقل منه، وكذلك الصلاة فرائض الإسلام.
ويحتمل أن يراد بتلك الأيام: يوم النحر وأيام التشريق.
وفيه:(فلما وجبت جنوبها): المراد منه: زهوق النفس وسكون النسايس، وتفسير اللفظ في وجوب الجنوب: وقوعها على الأرض، من وجب الحائط وجوباً: إذا سقط، ووجبت الشمس جبة: إذا غربت، قلت: وقد استعمل الراوي في قوله هذا لفظ التنزيل، قال الله تعالى:{فإذا وجبت جنوبها} وفي هذا الكلام من البلاغة ما لا يخفى على ذي الفهم مبلغه؛ وذلك أن الله تعالى ذكر البدن، وعظم شأنها، ثم أشار بمقتضى اللفظ إلى أنها تنحر قياماً فإن وجوب الجنوب منها إنما يتصور إذا كانت قائمة وتلك السنة فيها.