استدل بهذا الحديث وبما ورد بمعناه: من لم ير التقديم والتأخير في هذه الأنساك موجبيين للدم، وأما من يذهب إلى خلاف ذلك فإنه يرى معنى قوله:(لا حرج) أي: لا إثم عليك في ذلك؛ حيث لم تعلم، وليس لأنه رخص لهم في التقديم والتأخير، أو سوى بين الأمرين، واستدلوا على ذلك بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو بين الجمرتين عن رجل حلق قبل أن يرمي؟
فقال: (لا حرج)، ثم قال: عباد الله، وضع الله-عز وجل- الحرج والضيق، فتعلموا مناسككم، فإنه من دينكم) فقالوا: أمره إياهم عند ذلك بتعلم المناسك يدل على أن الرجل جهل مناسكه، وأن الإصابة كانت في غير ما صنع، إلا أنه نفى عنه الإثم لجهله ولم يسقط عنه الدم، وإذا كان النسيان في إيجاب الدم كالعمد، فلأن يكون الجهل به موجباً أحق وأولى، وفي الحديث الصحيح الذي رواه مسور رضي الله عنه:(أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحر قبل أن يحلق، وأمر أصحابه بذلك)، وقد تبين لنا من هذا الحديث: أن تقديم النحر على الحلق من واجبات الحج. ومن رواه هذا الحديث، اعني حديث عبد الله بن عمرو، عبد الله بن عباس.
قلت: وقد رواه مسلم في كتابه، عن ابن عباس؛ أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - زرت قبل أن أرمي؟ قال:(ارم ولا حرج). وقال آخر: حلقت قبل أن أذبح؟ قال:(اذبح ولا حرج) فما سئل عن شيءٍ يومئذ قدم ولا أخر، إلا قال:(افعل ولا حرج). هذا، وقد روي عن ابن عباس أنه قال: من قدم شيئاً من حجه أو أخر، فليهرق لذلك دماً، وهو الذي روى الحديث:(ولا حرج)، فلو لم يعلم ان الدم يلزمه لم يكن ليفتي بخلاف ما رواه والله أعلم.