للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأصل الموضوع يوم خلق السموات والأرض. وقوله: (السنة اثنا عشر شهراً) تأكيد في إبطال أمر النسيء، فإنهم كانوا يجعلون السنة الأولى من كل سنتين ثلاثة عشر شهراً-على ما ذكرنا. وفيه (ورجب مضر، الذي بين جمادى وشعبان) إنما أضافه إلى مضر؛ لأنهم كانوا يتشددون في تحريمه، ولا يستحلونه استحلال غيره، ولا يوافقون غيرهم من العرب في استحلاله. وأما تفريقه بالذي بين جمادى وشعبان؛ فلإزاحة الارتياب الحادث فيه من النسيء.

وفيه: (أي شهر هذا؟) قالوا: الله ورسوله أعلم.

قلت: إحالتهم الجواب عليه فيما استبان أمره وتحقق، نوع من الأدب بين يدي من حق عليهم التأدب بين يديه. ثم إنهم لم ييأسوا من أن يكون في الأمر المسئول عنه علم لم يبلغ إليهم، فأحالوا العلم على علام [٢٠ أ] الغيوب، ثم إلى المستأثر من البشر بنوع من ذلك العلم، وينبئك عن هذا المعنى قول بعضهم: حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. فإن قيل: في بعض الروايات في خطبة ذلك اليوم، أنه قال: (أي شهر هذا؟) قالوا: (ذو الحجة. وفي بعضها (شهر حرام).

قلنا: كان - صلى الله عليه وسلم - يومئذ بين بشر كثير لا يضبطهم ديوان، ولا ينالهم حسبان، حتى أقام في كل صقع من يبلغ عنه ما أداه الصوت إليه، إلى من بعد عنه فلم يبلغه.

والاختلاف الذي في هذه الألفاظ لم يوجد في رواية راو واحد، بل في رواية أناس شتى، فالذي يروى قولهم: (الله ورسوله أعلم) إنما يرويه ممن كسان يليه من أهل العلم والخشية، الذين اكرمهم الله بحسن الأدب، وألزمهم كلمة التقوى، وكانوا أحق بها وأهلها. والذي يروى مبادرتهم إلى ما سكت عنه الآخرون، فإنه يرويه على ما بلغه من أوفاض الناس، أو غمار الأعراب.

وفيه: (أليس البلدة؟) وفي كتاب البخاري أيضاً: (أليست بالبلدة؟) قيل: إن البلدة اسم خاص بمكة، عظم الله حرمتها. ويؤيد ذلك هذا الحديث.

ووجه تسميتها بالبلدة- وهي تقع على سائر البلدان - أنها البلدة الجامعة للخير، المستحقة أن تسمى بهذا الاسم؛ لتفوقها سائر مسميات أجناسها، تفوق الكعبة- في تسميتها بالبيت- سائر مسميات أجناسها، حتى كأنها هي المحل المستحق للإقامة بها، من قولهم: بلدن بالمكان، أي: أقام.

وفيه: (فإن دماءكم وأموالكم واعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا .. الحديث) أعراضكم، أي: أنفسكم وأحسابكم، فإن العرض يقال للنفس. يقال: أكرمت عنه عرضي، أي: صنت عنه نفسي، والعرض: الحسب. يقال: فلان نقي العرض، أي: برئ أن يشتم أو يعاب، والعرض: رائحة الجسد وغيره، طيبة كانت أو خبيثة. يقال: فلان طيب العرض، ومنين العرض.

<<  <  ج: ص:  >  >>