وقد وجدت الخطابي شرح هذا الحديث فى كتاب (الاعلام) قال: وفيه دليل على أن من ملك صيداً فأحرم، كان عليه إرساله.
قلت: وذلك لانه رأى أن الحمار لم يكن مذبوحاً، وإنما كان يسلم له هذا التأويل لو سلم الحديث من الاختلافات التى ذكرناها، ولو سلم كان حجة لأبى حنيفة ومن ذهب مذهبه فى أن النبى - صلى الله عليه وسلم - إنما رد عليه لأنه لم ير أن يمسكه، ولا أن يذبحه، ولا أن يأمر به.
[١٨٩٥] ومنه: حديث عائشة - رضى الله عنها - عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال:(خمس فواسق يقتلن فى الحل والحرم. . . الحديث).
(خمس): منونة، ومنهم من يرويه على الإضافة، والصحيح هو الأول، ويدل عليه رواية البخارى فى إحدى طرقه:(خمس من الدواب كلهن فاسق) أى: كل واحدة وواحد منها فاسق، وأراد بالفسق: خبئهن وكثرة الضرر فيهن.
وإنما خص هذه الخمس من الدواب المؤذية والضارية وذوات السموم، لما أطلعه الله عليه من مفاسدها، أو لأنها أقرب ضرراً إلى الإنسان، وأسرع فى الفساد [٤٤/ب] وذلك لعسر تمكن الإنسان من دفعها والإحتراز عنها، فإن منها ما يطير فلا يدرك، ومنها ما يختبئ فى نفق من الأرض كالمنتهز للفرصة، فإذا مكن من الضرر تبادر إليه، وإذا أحس بطلب استكن، ومنها ما لا يمتنع بالكف والزجر، بل يصول صولة العدو المباسل، وقد يصيب المعرض عنه بالمكروه، كما يصيب المتعرض له، ثم إنه متمكن عن الهجوم على الإنسان [. . . . . .].
ولا كذلك السباع العادية، فإنها متنفرة عن العمرانات، وفى أماكنها يتخذ الإنسان منها حذره.
(والغراب الأبقع) الذى فيه سواد وبياض.
فإن قيل: خص فى هذا الحديث الأبقع، وفى حديث ابن عمر قال:(الغراب)، فما الوجه فيه؟
قلنا: يحتمل أنه يخص الأبقع بالذكر، لأنه أكثر [ضرراً]، وأسرع فساداً.