[دليل ظاهرًا] على نفى الخيار بعد وجوب البيع؛ فوقع الاستثناء عن المعني المنفي، والاتصال بين الكلامين حاصل من الوجه الذي ذكرنا.
وأما تأويله عند من يقول بخيار المجلس: أن بخيره قبل التفرق عن المجلس؛ فيقول له:(أختر) فبعد الاختيار، لا يبقي له خيار، وإن لم يتفرقا بأبدانهما وفي بعض طرق هذا الحديث، من كتاب البخاري (أو يكون البيع خيارا) وإنما شرعنا في تقرير ما سبقنا بتقريره حسين أردنا تفسير قوله: (إلا بيع الخيار) ولم نر أن نعطى فيه البيان حقه، إلا بتقديم ما يمهد قاعدة البيان، ولقد بقيت علينا بقية من بيان ما يوجبه اختلاف الروايات في هذا الحديث، لاسيما في كتاب البخاري من اختلاف المعاني، رأينا الإضراب عنها؛ حذرا عن الإسهاب.
ونحن تصدينا لشرح أحاديث كتاب (المصابيح)؛ فلا نرى أن نتعداها إلى غيره، إلا عن ضرورة، مع أن هذا الحديث على السياق الذي أورده المؤلف أحق الروايات بالتقديم؛ لأنها أكثر وأقوم.
[١٩٧٣] ومنه: حديثه الآخر قال رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: (إني أخدع في البيوع؟ فقال: إذا بايعت فقل: لا خلابة).
ذهب بعض العلماء: إلى أنه خاص في أمر ذلك الرجل، وهو حسبان بن منقذ بن عمرو الأنصاري المازني- رضي الله عنه-.
وذهب بعضهم إلى أنه عام في كل صفقة بين فيها الغبن.
وأكثر العلماء: على أن البيع إذا صدر عن المتابعين عن رضى، وكانا ممن يصح تصرفاتهم، فإنه صحيح لا مرجع فيه بعلة الغبن.
وتأويل الحديث على ذلك أن نقول: لقنه النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا القول ليتلفظ به عند البيع؛ فيطلع به صاحبه على أنه ليس من ذوي البصائر في معرفة السلع ومقادير القيمة فيها؛ فيمتنع بذلك عن مظان الغبن، ويرى له كما يرى لنفسه، وكان الناس في ذلك الزمان أحقاء بأن يعينوا أخاهم المسلم، وينظروا له أكثر ما ينظرون لأنفسهم [٨٤].