للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يدل على صحة ما ذهبوا إليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ولا يم الرجل على سوم أخيه المسلم)، وهو حديث صحيح أورده المؤلف فيما بعد من هذا البا، والوم: طلب المتاع بالثمن؛ ومنه: استام على وساومته سواء.

فإن قيل: كيف يستقيم لهم هذا القول، وقد باع النبي - صلى الله عليه وسلم - القدح والحلس فيمن يزيد؟

قيل: السوء المنهي في الحديث هو أن يتواضعا على الثمن، ورضي البائع فاستام عليه آخر قبل العقد، فمال إليه صاحب السلعة بعد أن كان عازما على البايعة مع الأول.

وأما العرض على المناداة فإن ليس من المواضعة في شيء، بل هو بمنزلة التفتيش عمن يرغب فيه وبمثابة السؤال عن مقدار ما يبذله كل واحد من الراغبين من الثمن.

وكذلك النهي عن الخطبة إنما هو قبل المواضعة على ما يريدون من النكاح، وأما قبل المواضعة فلا كراهة فيه، ويدل على هذا حديث فاطمة بنت قيس حين خطبها أبو الجهم ومعاوية، فاستشارت النبي - عليه السلام - فقال لها: (أنكحي أسامة).

وإنما نهي عن الأمرين؛ لما فيهما من مظان العداوة والبغضاء، ويدعو إلى التنافر، وكانوا مأمورين أن يتعاملوا فيما بينهم بما تزيد منه الألفة، وتستحكم الموجة.

وفيه: (ولا تناجشوا) هو تفاعل من النجش، هو أن تزايد في البيع ليقع غيرك، وليس من حاجتك، وأصل النجش: مدح الشيء وإطراؤه، وقيل: تنفير الناس من شيء إلى غيره.

وفيه: (ولا يبع حاضر للباد): نهى الحضري أن يتولى البيع من قبل البدوى لما في ذلك من تبغيض ما أباح الله - تعالى - من الأرباح على أرباب التجارات، وسد أبواب المرافق على ذوى البياعات، والنهي عنه نهى كراهة.

وقد روى عن جابر ممثل هذا الحديث وفيه: (دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض): وقد أورده المؤلف في هذا الباب.

فإن قيل: أو ليس في ذلك ما يخالف معني قوله: (لا تلقو الركبان)؟

قيل: لا؛ لأن المتلقي بصدد أن يباشر الغش والخيانة في شراه ذلك أو يضيق على الناس في متاجرهم طرق الاكتساب، أو ينفرد بالشرى ليدخر المتاع؛ تربصا به الغلاء، وليس في بيع البدوى إذا انحدر به إلى السوق مظنة الخيانة؛ إذ لم يكن السعر ليخفي عليه مع كثر المساومين، وإن ابتغي الاستنصاح، لم يعدم من بيذل له النصح.

وفيه: (ولا تصروا الإبل والغنم).

صريت الشاة: إذا لم تحلبها أياما حتى اجتمع اللبن في ضرعها من قولهم: صربت الماء وصريته: إذا جمعته (٩٢) وحسبته، والمعني: لا تفعلوا ذلك؛ فإنه خداع.

أما قوله: (وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر):

<<  <  ج: ص:  >  >>