قلت: المسئول والقائل هو رسول الله، ولم يذكره لمعرفة السامع، ثم للاتكال على كون النبي - صلى الله عليه وسلم - مختصاً بالإخبار عن الغيب، بحيث لا يعترض لمسلم فيه شك، لاسيما وقد أسند الفعل إلى شخص بعينه، وليس هذا النوع مما يطلق القول في الأخبار عنه أو يتكل الصحابي في على غير النبي - صلى الله عليه وسلم -. قوله - صلى الله عليه وسلم -: (أرواحهم في أجواف طير خضر) أراد بذلك- والله أعلم -أن الروح الإنسانية المخصوصة المميزة بالإدراكات بعد مفارقتها البدن، المعنية بجواب المنكر والنكير يهيأ لها طير أخضر فتنتقل إلى جوفه، ليعلق ذلك الطير من ثمر الجنة، فتجد الروح بواسطته لذة النعمة وروح البهجة والسرور، وإلى هذا يشير قوله- سبحانه-: {يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله}. ولعل الروح تحصل لها تلك الهيئة إذا تشكلت وتمثلت بأمر الله سبحانه طيراً أخضر، كتمثل الملك بشراً، وعلى أية حال كانت، فالتسليم واجب علينا، لورود البيان الواضح على ما أخبر عنه الكتاب وروداً صحيحاً من قبل من لا سبيل إلى خلافه - صلى الله عليه وسلم -.
[٢٧٧٣] ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي قتادة- رضي الله عنه-: (يكفر كل شيء إلا الدين) أراد بالدين هاهنا: ما يتعلق بذمته من حقوق المسلمين، إذ ليس الدائن أحق بالوعيد والمطالبة عنه من الجاني والغاصب والخائن والسارق.
[٢٧٧٤] ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة- رضي الله عنه-: (يضحك الله إلى رجلين) قلت: الضحك في تعارف أهل اللغة انبساط الوجه وتكشر الأسنان من سرور النفس، ويستعار للسخرية، يقال: ضحكت به ومنه، وربما استعمل مكان التعجب، وقولهم: ضحكت إليه أي: انبسطت إليه وتوجهت تلقاءه بوجه طلق، وأسنان مكشورة: من البشر والفرح.
وقد علمنا من أصول الدين: أن الذهاب [١٠٢/ب] إلى حقيقة وجه من ذلك الوجوه فيما يوصف به الله سبحانه غير جائز. وإنما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سبيل المجاز؛ تحقيقاً للمعنى الذي أراده، وهو ان الله سبحانه وتلقاهما بالقبول والرضى، وتداركهما بحسن النظر إلى ما توخياه من عملهما.
[٢٧٧٦] ومنه قول أنس- رضي الله عنه- في حديثه:(فأصابه سهم غرب) الراء تسكن وتحرك، والأقوى عند أهل الغريب التحريك، (وسهم غرب): هو الذي لا يعرف راميته، ونقل عن بعض أهل اللغة أنه قال: تسكن الراء إذا أتاه من حيث لا يدري، وتفتح إذا رماه فأصاب غيره.