تدبر هذا القول- أعنى قول ابن عباس: أمرنا بإسباغ الوضوء- عرف من طريق الفهم أنه من أعلام النبوة، وذلك أن الآخرين ممن ينتمي إلى بيت النبوة نسباً، أو يدعي موالاة أهل البيت عصبية- قد أحدثوا فى الإسلام بدعة شنعاء وهى القول بمسح الأرجل دون الغسل، اختلاقا وافتراء على الأولين من أهل بيت النبوة، صدقا وعدلا، ومعاذ الإله أن يظن بأولئك السادة مثل ذلك، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أمرهم بالإسباغ نفيا لهذه البدعة عنهم، وإنما نهاهم عن إنزاء الحمير على الخيل؛ لما فى ذلك من استبدال {الذى هو أدنى بالذى هو خير}، وذللك أن البلغة ليس لها نتاج، ثم لا سهم لها فى الغنيمة، ولهذا المعنى قال - صلى الله عليه وسلم - فى حديث على- رضى الله عنه - الذى يتلو هذا الحديث:(إنما يفعل ذللك الذين لا يعملون) أى: الذين لا يعلمون أحكام الشريعة، ولا يهتدون إلى ما هو الأولى بهم والأنفع لهم سبيلا. ومعنى النهي راجع إلى ما يتضمنه الإنزاء من استبدال الأدنى بالأفضل لا إلى نفس الإنزاء.
[٢٨٣٩] ومنه حيث مزيدة العبدي- رضى الله عنه - (دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح مكة وعلى سيفه ذهب وفضة) هذا الحديث لا تقوم به حجة إذ ليس له سند يعتد به [١٠٧/أ] وقد ذكر أبو عمر النمري فى كتاب (الاستيعاب) فى ترجمة مزيدة العبدي من عبد القيس حديثه هذا، ثم قال: إسناده ليس بالقوى.
[٢٨٤١] ومنه حديث ابن عباس- رضى الله عنهما - (كانت راية نبى الله - صلى الله عليه وسلم - سوداء، ولواؤه بيضاء) الراية: العلم الكبير، وكذلك البند، واللواء دون ذلك، فالراية هى التى يتولاها صاحب الحرب، ويقاتل عليها، وإليها تميل المقاتلة، واللواء علامة كبكبة الأمير تدور معه حيث دارت.