قلنا: فلم يأت إذا بالحديث على وجهه؛ إذ كان من حقه أن يبين الوهم في كلا العددين أعني: عدد الجيش وعدد الخيالة منها، وأما الجواب عن قول من يأخذ بحديث من روى أن الجيش كانت ألفا وأربعمائة، فهو أن تقول: قد اختلف في ذلك عن جمع من الصحابة: فروى عن المسور بن مخرمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج عام الحديبية في بضع عشرة مائة، وروى عن عبد الله بن أبي أوفى أنه قال: كنا يومئذ ألفا وثلاثمائة، ولا متمسك لإحدى الفئتين في هذين الحديثين، وروى عن البراء أنه قال في حديثه:(ونحن أربع عشرة مائة) وروى عن سلمة بن الأكوع مثله، وروى ذلك عن جابر. وقد اختلف عليه في الجامعتين، فروي عنه أنه قال: كنا يوم الحديبية أربع عشرة مائة، وروي عنه أنه قال: كنا خمس عشرة مائة، ثم إن قتادة قال: قلت لسعيد بن المسيب: كم كان الذين شهدوا بيعة الرضوان قال: خمس عشرة مائة قال: فقلت: إن جابر بن عبد الله قال: كانوا أربع عشرة مائة فقال: يرحمه الله وهم، هو حدثني أنهم كانوا خمس عشرة مائة.
قلت: وإنما ذهب سعيد إلى صحة ما حدثه به دون ما حدث به قتادة، لأن سعيدا سمعه عنه قبل أن سمعه قتادة بزمان، وسمعه قتادة وقد كبر سنه وذهب بصره، وكان يومئذ حريا بأن يهم ويغلط، وحديث مجمع يؤيده ما رواه سعيد بن المسيب.
قلت: وأرى الوجه الجامع بين تلك الروايات أن نقول: كل ما ذكرناه من اختلاف الروايات، فإنه في حديث الحديبية، وحديث بيعة الرضوان، والذي يذهب إلى أن خيبر قسمت على أربعمائة، فإنما يذهب إلى ذلك لما في الحديث أن خيبر قسمت على أهل الحديبية) [١١٧/ب] ومن الجلي الواضح أن قد شاركهم فيها غيرهم؛ لما في حديث أبي موسى الأشعري في ذكر قدومه مع من هاجر إلى الحبشة جعفر وأصحابه:(وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر إلا لأصحاب سفينتنا) ومن المعلوم أنهم لم يدخلوا في غمار أهل الحديبية فيأول قول من روى أن خيبر قسمت على أهل الحديبية، على أن الغلبة كانت لهم، وإنما انضوى إليهم العدد القليل، ثم إن أحدا ممن شهد الحديبية لم يغب عن فتح خيبر، وإذ قد تبين لنا من حديث أبي موسى الزيادة على أربعمائة، حملنا الأمر في خمس عشرة مائة على أنه قد انضم إليهم من أعراب المسلمين وغيرهم من أصحاب السفينة من قد تم بهم ذلك العدد، وكان عددهم في بيعة الرضوان بالحديبية على ما ذكر في حديث من قال: إنهم كانوا أربعمائة، وعددهم عند القسمة على ما في حديث مجمع بن جارية؛ لاسيما وفي حديثه أنه شهد فتح خيبر، فالذي يذهب إلى حديث مجمع إنما يذهب إليه لخلوه عن الاختلاف، ثم لما يؤيده حديث ابن المسيب عن جابر، ثم لما يعضده النظر ويقويه. والذي ذكرناه من وجه الجمع بين الروايتين كالسناد لصحة ما ذهب إليه، ومجمع بن جارية من قراء الأنصار وفضلائهم، وأما أبوه جارية فأبعده الله؛ فإنه كان من أهل مسجد الضرار، وهو جارية بالجيم والياء.