قلت: قد وجدنا لكون أحد جناحي الذباب داء وللآخر دواء فيما أقامه الله لنا من عجائب خلقه وبدائع فطرته، شواهد ونظائرها، فمنها: النحلة يخرج من بطنها الشراب النافع، وينبت من إبرتها السم الناقع. والعقرب: تهيج الداء بإبرتها، ويتداوى من ذلك بجرمها. أما اتقاؤه بالجناح الذي فيه الداء على ما ورد في غير هذه الرواية، وهو في الحسان من هذا الباب، فإن الله تعالى ألهم الحيوان بطبعه الذي جبله عليه ما هو أعجب من ذلك، فلينظر المتعجب من ذلك، إلى النملة التي هي أصغر وأحقر من الذباب: كيف تسعى في جمع القوت؟ وكيف تصون الحب عن الندى باتخاذ الزبية على نشز من الأرض؟ ثم لينظر إلى تجفيفها الحب في الشمس إذا أثر فيه الندى، ثم إنها تقطع الحب جزلتين؛ لئلا تنبت، وتترك الكزبرة على ما هي عليه؛ لأنها لا تنبت وهي صحيحة، فتبارك الله رب العالمين. وأية حاجة بنا إلا الاستشهاد على ما أخبر عنه الصادق المصدوق، لولا الحذر من اضطراب الطبائع، والشفق على عقائد ذوي الأوضاع الواهية، وإلى الله اللجأ، ومنه العصمة.
[٣٠٣٩] ومنه حديث ابن عمر - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول (اقتلوا الحيات، واقتلوا ذا الطفيتين، والأبتر) الحديث. الطفية: خوصة المقل. شبه الخطين اللذين على ظهره بخوصتين من خوص المقل، وأراد بالأبتر: الذي يشبه المقطوع الذنب؛ لقصر ذنبه، وهو من أخبث ما يكون من الحيات.
وقوله:(فإنهما يطمسان البصر) أي: تبغيان طمس البصر. وإسقاط الحبلى جبلة جبلا عليه أو أنهما [١٢٥/أ] بخاصيتهما يورثان ذلك بعض الأشخاص عند النظر إليهما. وقد ذكر في خاصية الأفعى أن الحبل تلقى جنينتها عند مواقعة النظرين، وقد ذكر شيء من هذا النوع عن خاصية بعض الحيات في طمس البصر.
[٣٠٤٠] ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - (إن لهذه البيوت عوامر) عمار البيوت وعوامرها: سكانها من الجن.