أردشير أول ملوك الساسانية، شبه رقعته بوجه الأرض، والتقسيم الرباعي بالفصول الأربعة، والرقوم المجعولة ثلاثين بثلاثين يوما، والسواد والبياض بالليل والنهار، والبيوت الاثنا عشرية بالشهور، والكعاب بالأقضية [١٣٩/ب] السماوية واللعب بها بالكسب. فصار اللاعب به حقيقا بالوعيد المفهوم عن تشبيه أحد الأمرين بالآخر؛ لاجتهاده في إحياء سنة المجوس المستكبرة على الله، واقتفاء أبنتيهم الشاغلة عن حقائق الأمور.
ولم يصب من جوز اللعب به من غير مخاطرة؛ فإن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - بنى الوعيد فيه والنكير عليه على اللعب فحسب، هذا وقد انتظمت الأخبار الدالة على تحريم اللعب بالنرد قمارا، ودل بعضها على تحريم من غير قمار. وقد روي في الشطرنج حديث مثلما روي في النرد، وذلك الحديث- وإن لم يبلغ رتبة حديث النرد في الصحة- فإن القياس يؤيده، وشدة النكير عن جمع الصحابة وفرقة كثيرة من علماء السلف تعضده، وقد كفانا المفهوم من كتاب الله تعالى قوله:{إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون} فكل لهو دعا قليله إلى كثيره، وأوقع العداوة والبغضاء بين العاكفين عليه، وصد عن ذكر الله، وعن الصلاة، فهو كشرب الخمر في التحريم، فإن الله تعالى جمع بين الخمر والميسر في التحريم، ووصفهما بما وصفهما، ومعلوم أن الخمر- وإن أسكرت- فإن الميسر لا يسكر، ثم لم يكن عند الله تعالى أن افترقهما في ذلك يمنع من التسوية بينهما في التحريم؛ لأجل ما اشتركا فيه من المعاني، فكذلك افتراق اللعب بالنرد والشطرنج وشرب الخمر في أن الشرب يسكر، واللعب لا يسكر لا يمنع عن الجمع بينهما في التحريم؛ لاتفاقهما فيما اتفقا فيه من المعاني، ثم إن ابتداء اللعب يورث الغفلة، فتقوم تلك الغفلة المستولية على القلب مقام السكر، فيغفل ويلهي، فيصد بذلك عن ذكر الله وعن الصلاة.
(ومن الحسان)
[٣٣٦٥] قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- (يخرج عنق من النار) عنق أي: طائفة.