والمعنى: أن الله تعالى سيأتي بالنصر والحكم بينهم، وسيُعلي كلمته ويملأ قلوبهم -أي: المنافقين- حسرة، وقد حصل ذلك في فتح مكة؛ فدخل الناس في دين الله أفواجًا. وكذلك في يوم حُكْمِ اللَّهِ بِقَتْلِ مُقاتِلَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ، وسَبْيِ ذَرارِيِّهِمْ، وإجْلاءِ بَنِي النَّضِيرِ … كما ذكر صاحب أضواء البيان ﵀.
* ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾ [النصر: ١].
(وَالفَتحُ) المقصود بالفتح هنا: هو فتح مكة، وعموم لفظ (الفتح) هنا حيث جاءت مطلقة تشتمل على معاني: الفرج، والظفر، وانتشار الإسلام الذي كنتم تترقبونه كما وعدكم الله.
* ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٨٩].
(يَستَفتِحُونَ): من طلب النصر، وهم اليهود كانوا يترقبون بعثة النبي محمد ﷺ استنصارًا واستبشارًا به؛ فإذا كان بينهم وبين الكفار حروب استنصروا بقرب قدومه، وقالوا: إن نبينا قد أظلَّ زمانه، ويرجون أن يكون منهم، فلما جاء من العرب كفروا به ظلمًا وحسدًا.
[فترة]
قال تعالى: ﴿يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [المائدة: ١٩].
(فَترَة) الفترة في اللغة لها ثلاثة معان:
١ - هي المدة من الزمن؛ كما نقول: في فترات متباعدة.
٢ - الفترة المرحلة؛ كما نقول: فترة الاختبار، وفترة الرخاء.
٣ - والفترة من الفتور والسكون والانقطاع، وهو المراد في الآية الكريمة؛ وتعني: انقطاع الوحي والبعثة.
وقد انقطعت الرسلُ بعد عيسى ﵇، وانقطع الوحي قرابة ستمائة سنة حتى أُرسل محمد ﷺ.
* ومثلها قوله تعالى: ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٠].
(يَفتُرُونَ) أي: لا ينقطعون عن التسبيح.
* ﴿لا يُفَتَّرُ عَنْهُم وهُمْ فيه مُبْلِسُون﴾ [الزخرف: ٧٥]. أي لا يسكن ولا تُخفف وتيرته عنهم، ولا ينقطع حتى أصابهم الإبلاس واليأس من الفرج.