* أما حينما قصد التفرق والاختلاف والتشتت، وكل يدّعي أنه على حق قال: ﴿وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ﴾ [الأنبياء: ٩٣]، ﴿فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرا﴾ [المؤمنون: ٥٣].
[يتنافس]
قال تعالى: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ٢٢ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ ٢٣ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ٢٤ يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ ٢٥ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ٢٦ وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ ٢٧ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ﴾ [المطففين: ٢٢ - ٢٨].
(فَليَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ) التنافس هنا يجمع بين معنيين:
١ - تنافس مع الغير، وأصله من: النَّفَس إذا تسارع بسبب المباراة والاستباق للظفر بالشيء.
فيكون المعنى: فليتبارَ المتبارون للفوز به.
٢ - تنافس مع الذات إذا رغبت في الحصول على الشيء، وأصله من: النفيس، وهو الثمين؛ تقول العرب: (مال منفوس) أي: مرغوب فيه.
فيكون المعنى: فليرغب الراغبون؛ فهو مجاهدة النفس للوصول إلى ما ترغب.
* إذًا: الآية الكريمة فيها حث جماعي للمسابقة والتواصي للوصول، وفيها حث فردي لمجاهدة النفس في نيل النعيم الموصوف في الآيات.
فائدة:
مُجمل الآيات السابقة يصف نوعين من شراب أهل الجنة:
١ - شراب الأبرار: وهو رحيق؛ أي: خمر الجنة يجدون في ختامه وفي نهايته طعم المسك، ويُمزج لهم من عين التَّسْنِيم، قيل: سُميت بذلك لارتفاعها وتسنّمها، وتدفقها من عُلو (كما في الشلالات ربما) ولعلو مذاقها وبلوغه قمة اللذة؛ فهذا شراب الأبرار: خمرٌ مختومة بطعم المسك، ممزوجة بعين التَّسْنِيم.
٢ - شراب المقربين: وهو من عين التَّسْنِيم صِرفًا، وهي خصيصة تميَّزوا بها، وطعمٌ فريد وهو الشرب من هذه العالية حسًّا ومعنى لعلوّ درجاتهم، نسأل الله العظيم من فضله!
[يثبتوك]
قال تعالى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال: ٣٠].
(ليثبتوك) أي: ليقيدوك ويحبسوك، من الإثبات: وهو الحبس والوِثَاق.