والمعنى: يوم القيامة ينظر الكفار حولهم إذا دخلوا النار؛ وكأنهم يبحثون عن أهل الإيمان الذين طالما استهزءوا بهم في الدنيا، فيقول بعضهم لبعض: ما لنا لا نرى رجالًا كنا نعدّهم في الدنيا من الأشرار؟! ثم يجيب بعضهم بعضًا: هل سخريتنا بهم خاطئة؛ فكنا نعدهم أشرارًا وهم ليسوا كذلك؟! أم أنهم معنا في النار لكن تجاوزوا أبصارنا فلم نرهم؟
* ﴿فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ﴾ [المؤمنون: ١١٠].
(سِخْرِيًّا) اشتغلتم بالاستهزاء بالمؤمنين حتى نسيتم ذكر الله، ونِسيانُكم الذكرَ يقوّي الشيطانَ على إغوائكم، ويمدّكم بالمزيد من السخرية والضحك ونسيان الله والدار الآخرة.
فائدة (٢):
قوله تعالى: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [الزخرف: ٣٢].
(سُخريا) -بضم السين- من التسخير؛ أي: ليكون بعضهم مُسَخَّرًا لبعض في معاشهم؛ فبذلك تقوم الحياة وتستقيم.
[يسطون]
قال تعالى: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [الحج: ٧٢].
(يَسْطُونَ) أي: يبطشون. من (السطوة) وهي الأخذ بسرعة؛ تقول العرب: (رجل ذو سطوة) أي: ذو قوة وبطش. و (سطا اللص على المتاع) أي: انتهبه بقوة وسرعة.
والمعنى: أن الذين كفروا إذا سمعوا الذين آمنوا يتلون كتاب الله ﵎، ترى وجوههم العابسة المُكْفَهِرّة؛ فتعرف منها شدة الكراهة والبغض للحق ولدين الله، ويكادون يَثِبُون على المؤمنين فيبطشون بهم.
[يصحبون]
قال تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ﴾ [الأنبياء: ٤٣].
(يُصْحَبُونَ) أي: لا يجارون منا ولا يُمنعون. تقول العرب: (أَنَا لَكَ جَارٌ وَصَاحِبٌ مَنْ فُلَانٍ) أي: مُجِيرٌ مِنْهُ.
والمعنى: سؤال استنكاري: ألَهُمْ آلِهَةٌ تَجْعَلُهم في مَنَعَةٍ وحماية منا فلا يَنالُهم عَذابُنا؟!