(رَصدًا) أي: الملائكة تترصد وتترقب لأي مخترق لهذا الموكب المبارك؛ حتى لا يتسرب الخبر، وحتى يتم التبليغ في سرية تامة وحفظ تام، من غير سرقة واختطاف من مَرَدَة الجن الذين يبلغونه للكهنة فيكذبون معه ويحرفونه.
(يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا):
المعنى: يبين الله تعالى صون كلماته وحماية الوحي الشريف عن الانكشاف لغير من ارتضاه الله لتبليغه؛ فلا يُطلِع على غيبه أحدًا من عباده إلا من رضيه الله أن يبلغ عنه.
وتبليغ هذا الغيب للعبد يكون محفوفًا باحتياطات للحفظ والحماية من تلاعب الشياطين به أثناء تبليغه؛ فيكون تبليغه بواسطة أمين الملائكة جبريل ﵇.
و (يسلك) أي: يصاحبه في سلوك طريقه ومسيرته عدد من الملائكة، يحوطونه من حوله ومن كل جهاته.
فسبحان من حفظ كتابه وبلّغه، ثم حفظ نبيه ﷺ وعصمه فيما يبلغ عن ربه؛ فلا يخالف ما أُمِرَ به لا قصدًا ولا سهوًا ولا خطأً .. فاللهم لك الحمد على هذه النعمة.
وليعلم المسلم أنه يمشي على نور وبصيرة من غير تدخّل وتحريف من شياطين الإنس والجن.
[أركسهم]
قال تعالى: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلا﴾ [النساء: ٨٨].
(فئتين … أركسهم):
أركس: من (الارتكاس) وهو الانقلاب والانتكاس من حال حَسنة إلى حالٍ سيئة؛ كالكفر بعد الإيمان، والغدر بعد الأمان.
و (ركس) أي: قلب الشيء على آخره.
والآية تتحدث عن جماعة من المنافقين لمّا خرج رسول الله ﷺ إلى غزوة أحُدٍ رجعوا؛ فاختلف أمر الصحابة فيهم على فريقين (وهذا معنى فئتين)؛ ففريق من الصحابة قالوا: لا نقاتلهم لأنهم مسلمون. وفريق قالوا: نعاملهم كالكفار.
فجاءهم الجواب من الله تعالى: أن لا تختلفوا في أمرهم؛ فالله قد (أركسهم) أي: نكسهم وقلبهم إلى الكفر جزاء فعلهم؛ فيعاملون معاملة الكفار، نسأل الله السلامة!