للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهناك فائدة تربط أول الآية بآخرها: (وإنا إلى ربنا لمنقلبون).

والمعنى: حتى تذكروا بركوبكم ورحيلكم على هذه المراكب والدواب رحيلكم النهائي عن هذه الدار؛ فتعلموا أنكم منقلبون وصائرون إلى ربكم ليوم المعاد، وتذكروا بسَيْركم الدنيوي سَيْركم إلى الدار الآخرة، ولتشكروا ربكم أنْ ردّكم من أسفاركم سالمين غانمين.

[مقمحون]

قال تعالى: ﴿لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ٧ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ ٨ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ [يس: ٧ - ٩].

(مُقْمَحُون) الإقماح: هو رفع الرأس بشدة. وهذه الآية تبين صورة مرعبة لمن يُعرِض عن سماع الحق؛ فهي لا تتحدث عن يوم القيامة وأغلال جهنم، بل تتحدث عن حال هؤلاء الكفار بعد أن عُرِضَ عليهم الحق فرفضوه، فعوقبوا بهذه الأغلال المعنوية: فغُلّت أعناقهم بالقيود؛ لأنهم أعرضوا عن تدبّر الآيات والحجج، ورُفعت رؤوسهم بشدة لأنهم لم يذعنوا لقبول الحق، وجُعلت على أبصارهم غشاوة فعميت عن رؤية الحق.

فَحَقّ عليهم القول، وسبقت لهم الشقاوة، ونفذ فيهم القضاء؛ فسيبقون على كفرهم وشركهم، وسيُمنَع الإيمان من الوصول إلى قلوبهم.

فهم مقيدون بقيود وأغلال معنوية، وسيقيدون في الآخرة بالأغلال الحسية حين يساقون إلى جهنم وبئس المصير، نسأل الله السلامة!!

[المقوين]

قال تعالى: ﴿نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ﴾ [الواقعة: ٧٣].

(للْمُقْوِينَ) هذه الكلمة من أضداد اللغة، وتحتمل معانٍ عِدة لا تتعارض:

١ - المقوين: جمع (مقوٍ) وهو المسافر؛ لأنه ينزل (القَوَاء) وهو الخلاء والأراضي الخالية الممتدة.

٢ - المقوين: جمع (مقوٍ) وهو المحتاج؛ يقال: (أقوى الرجل) أي: نفد زاده.

٣ - المقوين أيضًا تقال للمستمتعين والأغنياء؛ فيقال للغني: (مقوٍ) لقوته وقدرته المادية.

فبهذا يجمع المعنى المسافرين والمقيمين والفقراء والأغنياء؛ فالكل بحاجة إلى النّار، وهذا من بلاغة القرآن أن تجد المفردة الواحدة أحيانًا تجمع عدة معان.

وجمهور المفسرين على أن المعنى هو (المسافرون)، لكن لا يتعارض أن نجمع جميع المعاني فهو أوسع وأشمل، ولا غنى لأحد عن النار كما ذكر البغوي وابن كثير والقرطبي وغيرهم.

<<  <   >  >>