(اطْرَحُوهُ أَرضًا) أي: ألقوه في أرض بعيدة مجهولة؛ وذلك حتى يستريحوا منه، فقد يتوه في تلك الأرض ولا يعرف العودة إلى أبيه، وقد يهلك هناك أو تفترسه الحيوانات، وليس المعنى: ألقوه على الأرض.
(هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا) فَهَمُّهَا: عَزْمُهَا على المعصية، وأما قوله:(وَهَمَّ بِهَا) فقد اختلف فيها المفسرون على أقوال كثيرة، ورجح كثير من المفسرين قولين:
١ - هَمّ بموافقتها كخاطر قلبي أمام إلحاحها وإغرائها، فصَرَفَه عَنْهُ وازِع العلم والإيمان والتَّقْوى وهو برهان ربه، فتركه لله وقدّم مراد الله على كل شيء، و (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ) والهَمّ بالسيئة ثم تركها لله يكتبها الله حسنة كما في الحديث؛ وهذا دلالة على كمال النبي يوسف ﵇.
٢ - أنه لَوْلا أنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ لَهَمَّ بِها، ولكنه لم يهم.
ونظير هذا من القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [القصص: ١٠] فلم تبدِ به.
والقول الأول رجحه الشوكاني والسعدي وغيرهما، وهو الذي يوافق إنسانية النبي ﵇ والطبع الجبليّ أمام شدة الفتنة.
وذكر ابن القيم في تفسيره الفرق بين همِّهِ وهمِّهَا: أن همها كان همّ إصرار وعزم، وهمّهُ كان همَّ خاطر راوده أمام فتنتها وإصرارها.