للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولذا قال الإمام ابن عبد البر في شرحه لحديث القبر وفتنته: " أحكام الآخرة لا مدخل فيها للقياس والاجتهاد، ولا للنظر والاحتجاج، والله يفعل ما يشاء لا شريك له " (١).

" وقد ورد في السمع عن الصادق - صلى الله عليه وسلم - أمور تُوصف بها الآخرة، على خلاف أمور الدنيا، كخبر الصراط، ومرور الناس عليه، وخبر الميزان وتجسيم الأعمال ووزنها، ووصف أحوال أهل الجنة والنار، وقد قال تعالى: {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (٤٧)} [النجم:٤٧]، أي: خِلقة غير هذه النشأة الدنيوية " (٢)، فوجب الإيمان والتسليم، قال الإمام القرطبي: " وهذا الباب ليس فيه مدخل للقياس، ولا مجال للنظر فيه، وإنما التسليم والانقياد لقول الصادق المرسل إلى العباد " (٣).

قال الحافظ ابن حجر معززا هذا المعنى: " ويقتضي الإيمان بأمور الآخرة أن ليس للعقل فيها مجال، ولا يعترض عليها بعقل، ولا قياس، ولاعادة وإنما يؤخذ بالقبول، ويدخل تحت الإيمان بالغيب، ومن توقف في ذلك دل على خسرانه وحرمانه " (٤).

ومن هنا يُعلم أن " العوالم الأخروية من أحوال الموت فما بعده، إلى الجنة والنار، ليست متولدة من الدنيا تولدا طبيعيا، بانقلاب الأطوار المتناسبة فيدركه العقل بالقواعد والقياسات والتنظير بما يراه من المكتشفات، وكذا يقال في سائر الغيبيات التي أثبتها الشرع، كالملائكة، والجن، ما في السماوات، وغيرها ليست متولدة من الأشياء التي للقواعد بها ارتباط وللعقل فيها مجال " (٥).


(١) ابن عبد البر: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد: (٢٢/ ٢٥٤).
(٢) ابن عزوز: العقيدة الإسلامية: ص (٣١٠).
(٣) القرطبي: التذكرة: ص (١٧١).
(٤) ابن حجر: فتح الباري: (١١/ ٣٩٥).
(٥) ابن عزوز: العقيدة الإسلامية: ص (٣٠٨)

<<  <   >  >>