إن تكريم الإنسان على من عداه، من مخلوقات هذا الكون، لم يقف عند هذه الحدود، بل قرر القرآن: أن الإنسان هو سيد هذا الكون، وأن هذه الظواهر الطبيعية , التي طالما رهبها حتى عبدها، إنما هي مسخرة له , بل إنها لم تخلق إلا لتكون مسخرة لهذا الإنسان.
وفي كثير من سورة القرآن الكريم، تُلح آياته على تقرير هذا المعنى ... وتغرس في نفس الإنسان، وعقله، ووجدانه، هذا التصور الجديد، الذي يحرره من العبودية - عبودية الطبيعة وظواهرها –، إلى الحد الذي قرر فيه: أن هذه الطبيعة، وقواها، وظواهرها، إنما هي جميعاً مسخرة لهذا الإنسان (١).
وهذا التسخير الكوني لهذا الإنسان العجيب، ينبغي أن تحكمه مجموعة من العلائق، التي تكون سبباً في الإفادة من هذا التسخير، ومنها:
١) التأمل والتدبر في سير هذا الكون المطرد، التي لم تنخرم سننه منذ كان إلى أن يأذن الله بفنائه، والنظر إليه بعين البصر والبصيرة، الموصل إلى توحيد الله عز وجل، يقول الله في دعاء المؤمنين: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٩١)} [آل عمران:١٩١].
ثم ينتج عن هذا التأمل والتدبر علاقة أخرى بين الإنسان والكون وهي:
٢) إعمار هذا الكون بما أراد الله من طاعته وعبادته، وهي الغاية العظمى والقصوى في خلق هذا الإنسان، يقول تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} [الذاريات:٥٦].
وهذا النظر والتأمل في زوايا هذا الكون، يعمق التوحيد في قلوب المؤمنين ويفتح آفاقاً في قلوب الجاحدين المنكرين؛ لأن هذا النظر لا بد من أن يؤدي إلى الاعتراف بخالق هذا الكون ومدبره، والمتصرف فيه.
(١) محمد عمارة: نظرية الخلافة السلفية، الثورة، دار المعارف، ١٩٩٤ م، (١٥٤ - ١٥٧ بتصرف)