للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة الثالثة معنى فتنة القبر.]

المراد بفتنة القبر:

يقول الإمام ابن تيمية:" وأما الفتنة في القبور، فهي الامتحان والاختبار للميت حين يسأله الملكان " (١).

وقال الإمام أحمد بن حنبل في بيان عقيدة أهل السنة:" وأن لله تعالى ملكين يقال لأحدهما منكر، والآخر نكير، يلجان إثر الميت في قبره، فإما يبشرانه وإما يحذرانه " (٢).

وهذا المعنى قد أطبق عليه العلماء، قال الإمام السيوطي:" أطبق العلماء على أن المراد بقوله: يفتنون، وبفتنة القبر، سؤال الملكين منكر ونكير والأحاديث صريحة فيه، ولهذا سُمي ملكا السؤال الفتانين " (٣).

وقال الإمام ابن حزم:" بل كل ميت، فلا بد من فتنة وسؤال، وبعد ذلك سرور أو نكد إلى يوم القيامة، فيوفون أجورهم، وينقلبون إلى الجنة أو النار " (٤).

قال بعض العلماء: إضافة الفتنة إلى القبر أو المقبور لا مفهوم له، فلا يعني ذلك أن غير المقبور لا يسأل، بل كل ميت يسأل قبر أو لم يقبر (٥).

وهذا السؤال والجواب في القبر يستلزم عودة الروح إلى الجسد، وهو الصحيح الذي دلت عليه النصوص الشرعية، فقد ثبت في حديث البراء بن عازب الطويل المشهور في عذاب القبر ونعيمه، وفي بيان الميت وحاله، أن روحه تعاد إلى جسده، مع العلم بأنها غير مستمرة فيه، وأن هذه الإعادة ليست مستلزمة لإثبات حياة مزيلة لاسم الموت، بل هي نوع حياة برزخية (٦).

والحياة في القبر ثابتة بالسنة المطهرة، والمراد بها: "أن الميت يحيا في قبره للمسألة خلافاً لمن رده، واحتج بقوله تعالى: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [غافر:١١]، قال: فلو كان يحيا في قبره، للزم أن يحيا ثلاث مرات ويموت ثلاثاً، وهو خلاف النص!


(١) ابن تيمية: مجموع الفتاوى: (٤/ ٢٥٧)
(٢) أحمد بن حنبل: العقيدة رواية أبي بكر الخلال، دار قتيبة - دمشق، ط ١ ١٤٠٨ هـ، ص (١٢٢)
(٣) السيوطي: الحاوي للفتاوى: (٢/ ٢٢٤)، النفراوي: الفواكه الدواني: (١/ ٩٧).
(٤) ابن حزم: الفصل في الملل والأهواء والنحل (٤/ ٥٦).
(٥) النفراوي: الفواكه الدواني، دار الفكر - بيروت، ١٤١٥ هـ، (١/ ٩٩).
(٦) ابن جاسر: مفيد الأنام، مكتبة النهضة - مصر، ط ٢ - ١٣٨٩ هـ (٢/ ١٥٩).

<<  <   >  >>