للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٧ - يورث علو الهمة في الطاعات]

لا عجب حين يكون طموح المرء، بلوغ الغايات والأهداف، وارتقاء القمم، والوصول إلى المعالي، ومعانقة المجد؛ ليكون في الطليعة، فهذا هو ما جبلت عليه النفس، يقول الإمام ابن الجوزي: "وهذه الهمة تولد مع الطفل فتراه من زمن طفولته، يطلب معالي الأمور" (١).

وهذا الطموح الكبير، وهذه الهمة العالية، دليل شرف النفس ونبلها، فهو يكسب النفس النشاط؛ لتسمو في سماء العلياء، و قد قيل:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم ... وتأتي على قدر الكرام المكارم (٢)

والعجيب أن كِبر الهمة من خصائص الإنسان، أما الحيوانات فكل جنس يتحرى الفعل بقدر ما في طبعه. والكبير الهمة على الإطلاق، هو من لا يرضى بالهمم الحيوانية قدر وسعه، فلا يصير عبد عارية بطنه وفرجه، بل يجتهد أن يتخصص بمكارم الشريعة، فيصير من خلفاء الله تعالى وأوليائه في الدنيا، ومن مجاوريه في الآخرة (٣).

إن علو الهمة نحو العمل الصالح، المقرب إلى الله جل وعلا، هو نتاج الإيمان بالآخرة؛ لأن الوصول إلى الجنة هدف، يحتاج إلى نفس توّاقة للمعالي يقول عمر بن عبد العزيز:" إن لي نفساً تتوق إلى معالي الأمور، تاقت إلى الخلافة، فلما نلتها تاقت إلى الجنة" (٤)، ولذا فإن كبير الهمة، لا يقنع بما دون الجنة، يقول الله تعالى: {خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (٢٦)} [المطففين:٢٦].


(١) ابن الجوزي: صيد الخاطر، دار القلم - دمشق، ط ١، ص (١٩٠)
(٢) البيت للمتنبي، امتدح فيها سيف الدولة سنة ٣٤٣ هـ، انظر: يوسف البديعي: الصبح المبني عن حيثية المتنبي: المطبعة العامرة الشرفية، ط ١،١٣٠٨ هـ (١/ ٥٩)
(٣) الراغب الأصفهاني: الذريعة إلى مكارم الشريعة، دار السلام - القاهرة، ١٤٢٨ هـ، ص (٢٠٩).
(٤) ابن حمدون: التذكرة الحمدونية، دار صادر - بيروت، ط ١ ١٤١٧ هـ، (٢/ ٢٩).

<<  <   >  >>