ولذا كان مذهب السلف أعلم وأحكم وأسلم، بقبولهم كل ما جاء عن الله تعالى، وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم -، من أخبار اليوم الآخر وغيره فآمنوا به علما وعملا.
[المطلب الثاني مذهب طوائف أهل الكلام في اليوم الآخر]
وأما طوائف أهل الكلام، وبعض المنتسبين للإسلام، فقد خلطوا في قضايا الغيبيات التي يسمونها السمعيات، فمع إيمانهم بما ورد به السمع، مع تجويز العقل له، إلا أنهم ردوا بعض قضايا الغيب التي مبناها السمع؛ لوارد الشبهة التي بنوها، والقاعدة التي أصلوها.
ولهم في هذا المقام جملة من القواعد التي كانت نصب أعينهم، حين انطلقوا يقررون عقائدهم المتعلقة باليوم الآخر والمعاد منها:
- التفريق بين الأخبار الواردة عن طريق التواتر، والأخبار الواردة عن طريق الآحاد.
- والنظر بين ما يُجوِّزه العقل، وما لا يجوزه.
- والتسلسل في الماضي والمستقبل.
- والنظر إلى مبدأ العدل والاستحقاق.
- ونتيجة القاعدة التي توصلوا إليها في إثباتهم للصانع وهي: ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث.
فبناء على ما أصلوه من قواعد، وبنوه من أساسات، ظنوا أنها ضمان للعقائد من الانحراف والزيغ، وقعوا في التناقض، وفي نقيض ما ظنوه فردوا النصوص وأولوها؛ بناء على هذه الأسس عندهم.
فالجهمية:
أنكرت كثيرا من أمور الآخرة، كعذاب القبر ونعيمه، والصراط، والميزان والرؤية، والنداء والمناداة. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:" وأما أهل الأهواء: فكان كثير من الجهمية والمعتزلة ونحوهم، يكذب بما في البرزخ من النعيم والعذاب، ولا يقر بما يكون في القبر، كما ينكرون أيضا وجود الجنة والنار، ولا يعتقدون نعيما ولا عذابا، ولا ثوابا ولا عقابا إلا عند القيامة الكبرى، ... ومنهم من يزعم أنه يفنى بعد دخول الجنة والنار، وأنهما يفنيان كما يذكر ذلك عن الجهم بن صفوان، وزعم أبو الهذيل أن حركاتهم تفنى "(١)
(١) ابن تيمية: المستدرك على مجموع الفتاوى (١/ ٩٣)، ابن حزم: الفِصل (٤/ ٥٥)، ابن القيم: الروح ص (٥٨).