من أقوى النزعات الفطرية التي تنتاب الإنسان، حتى ربما استولت على كل مشاعره، وأورثته خوفاً وفزعاً، هي نزعة الخلود، ولولا هذه النزعة لما وجدت عاملاً في مجال خير، ولكان عيش الإنسان منغصاً بذكر الموت؛ لأن الحياة تنتهي تماماً بالموت، والسر في ذلك: أن النفس مجبولة على حب الخلود ولما كانت سنة الله تعالى الجارية على البشرية، أن لا خلود في الدنيا، كما قال سبحانه: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (٣٤)} [الأنبياء:٣٤]، وقوله تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}[آل عمران:١٨٥]، تطلعت النفوس إلى حالة تحوز فيه هذا الخلود، والبقاء الأبدي.
إنك لن تجد من يُضحي بأغلى ما يملك من حياته، إلا حين يعلم أن ما يقابله أعظم وأكرم، فالكل يسعى للخلود، فهذه النزعة تكمن في أعماق النفوس، ولو جهد المرء لإنكارها؛ ليقنع نفسه بالعدمية، ويتخلص من الخوف المستقر في أعماقه، من النهاية البائسة اليائسة. فهذا أحد أكابر المذهب الشيوعي القائم على إنكار الإله، وما يترتب عليه من عدمية الخلود، لينين كان مرتعباً جداً من الموت، حتى قال: أخاف أن أموت، وأفتح عيني هناك! يعني في دار الخلود، وهي النزعة الفطرية الكامنة في النفوس، هذا رغم أنه لا يؤمن أصلاً بوجود الله تعالى، وهذا مثير للعجب، فإذا كان الإنسان لا يؤمن بوجود الله تعالى، فما الذي يخيفه ويزعجه من الكلام عن الجحيم أو السماء؟ (١).
واختلف مفهوم الخلود عند الناس وإن كان محصله النهائي هو البقاء الأبدي: فالمصريون القدماء، لم يكن يدفعهم لتزيين مقابرهم وإعدادها، إلا لاستقبال الروح عند عودتها ثانية، وهذه تعبر عن نزعة الخلود لديهم.
ومن يؤمنون التناسخ، القائم على انتقالات الروح إلى ما يناسبها من خير أو شر، هي تعبير عن هذا الخلود بشكل ما.
(١) مستفاد من مقال لـ مرثافرنسيس، في مجلة الحوار المتمدن، العدد: (٢٦٦٦) بتاريخ: ١٣/ ٣/٢٠١٢