[المبحث الثاني أثر الإيمان باليوم الآخر على المجتمع]
لا يخلو أي مجتمع من أفراد، والحكم على أي مجتمع بالصلاح أو الفساد منوط بأفراده، ولذا سعت الأمم لاستصلاح مجتمعاتها بشتى الوسائل فبذلت من أجل ذلك كل إمكاناتها، وسخرت كل طاقاتها؛ أملاً منها بقيام مجتمع صالح، وبيئة يمكن من خلالها، ممارسة الفرد لحقه دون ممانع.
إلا أن المجتمعات التي قامت على استصلاح أفرادها، على مبدأ دنيوي بحت، ثم أتاحت له كل المغريات وأنواع المنكرات، رغبة منها لإسعاد أفرادها، قد سقطت في أوحال الرذيلة، والأخلاق المشينة , ففسد المجتمع وانحطت الأخلاق، وساءت المعاملة، ولم يبق لمعاني الرحمة، والتعاون والتكافل فيها أثر؛ لأن كل فرد في هذا المجتمع، يسعى لملء رغباته وإشباع نزواته، دون أي وازع ولا رقيب، فانهارت هذه المجتمعات أخلاقياً، وسلوكياً، ونفسياً، وإن ظهر لها نوع تقدم في النواحي الدنيوية المادية، إلا أنها في الحقيقة، دمرت أخلاقيات المجتمع، وهدمت سمعة أفراده.
فهذه المجتمعات وأمثالها التي خلت عن المعاني الإنسانية السامية، هي وإن كانت تشبع رغبات أفرادها المادية، إلا أنها أعجز المجتمعات، عن إشعارهم بالطمأنينة والسعادة، وأبعدها عن جعلهم جسداً واحداً متماسكاً متوادين، متراحمين، متعاطفين.
ولذا انهارت هذه المجتمعات، وانحدرت للهاوية، فلا غرابة حينها، أن تشيع في هذه المجتمعات الأنا الذاتية والأنانية، وغيرها من الأخلاق المشينة نتيجة لغياب الدين في حياتهم، وعدم الرقابة المبنية على خوف المجازاة في الآخرة.
أما المجتمعات القائمة على مبدأ الرقابة الذاتية، والخوف من الجزاء الأخروي، فهي مجتمعات متماسكة متلاحمة، مترابطة، مستقرة، بعيدة كل البعد عن الأنانية المفرطة، والنزعات المغرضة.
إن المجتمعات المسلمة، تُربي أفرادها على معرفة الحقوق والواجبات، فكل فرد في المجتمع المسلم، له حقوق يجب أن تستوفى له، وعليه واجبات يجب أن يقوم بها على أكمل وجه، ولذا متى قصّر في أداء هذه الواجبات، لحقه العتب وربما العقاب.
ومن هنا يُلزم الأفراد في هذه المجتمعات، بتقديم كل ما فيه رُقي أخلاقي واجتماعي، وهي من الحقوق التي أناطها الإسلام بالأفراد.
والإسلام يربي أفراده على الرقابة الذاتية، وعلى منهج الإحسان الذي يستشعر فيه المسلم معية الله ورقابته.