للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولذا من تأمل الحالة المذكورة في الأحاديث عرف عظم الهول والشدة في الموقف، "وذلك أن النار تحف بأرض الموقف، وتدني الشمس من الرؤوس قدر ميل، فكيف تكون حرارة تلك الأرض وماذا يرويها من العرق حتى يبلغ منها سبعين ذراعاً مع أن كل واحد لا يجد إلا موضع قدمه، فكيف تكون حالة هؤلاء في عرقهم مع تنوعهم فيه، إن هذا لمما يبهر العقول، ويدل على عظيم القدرة، وفائدة الإخبار بذلك:

أن يتنبه السامع فيأخذ في الأسباب التي تخلصه من تلك الأهوال ويبادر إلى التوبة من التبعات، ويلجأ إلى الكريم الوهاب في عونه على أسباب السلامة، ويتضرع إليه في سلامته من دار الهوان وإدخاله دار الكرامة منه وكرمه" (١).

[المطلب الثاني إثبات الميزان]

يقول الإمام ابن تيمية في الواسطية: "وتنصب الموازين فتوزن فيها أعمال العباد: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (٩)} [الأعراف:٩] (٢).

وهذا الذي قرره الإمام ابن تيمية في رسالته هو المستقر عند الأمة وعلمائها ودلت عليه النصوص الشرعية، والكلام عن الميزان ينتظم المسائل التالية:

[المسألة الأولى: حكاية إجماع العلماء وأقوالهم في إثبات الميزان]

أجمع علماء الأمة من أهل السنة على إثبات الميزان، واستفاضت أقوالهم وتتابعت مؤلفاتهم، لبيان دلائله ومسائله.

والإيمان بالميزان واجب، قال الإمام ابن ناصر الدين الدمشقي: "والإيمان بثبوت الميزان واجب على الأمة، صرح به غير واحد من الأئمة، وقال: وإثبات ميزان الآخرة مذهب الفرقة الناجية القاهرة، ومن خالفهم بمخالفة الشريعة، ونبز بالبدعة الشنيعة" (٣).

وممن حكى الإجماع على إثبات الميزان:


(١) ابن حجر: فتح الباري، دار المعرفة - بيروت، ١٣٧٩ هـ (١١/ ٣٩٥).
(٢) ابن تيمية: مجموع الفتاوى، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف - المدينة النبوية (٣/ ١٤٥)
(٣) ابن ناصر الدين: منهاج السلامة في ميزان القيامة، دار ابن حزم - بيروت ص (٥٨ - ١٣٠)

<<  <   >  >>