للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ذكر الإمام ابن القيم بضعاً وعشرين مثلاً للدنيا، ضمن دلائل التفضيل بين صبر الفقراء، وشكر الأغنياء، ثم قال: "وقالوا: ومن المعلوم أنه لا تجتمع الرغبة فيها، مع الرغبة في الله والدار الآخرة أبداً، ولا تسكن هاتان الرغبتان في مكان واحد، إلا وطردت إحداهما الأخرى، واستبدت بالمسكن " (١).

[٧ - تنمية الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين]

إن الإيمان باليوم الآخر، يحقق هذا الشعور وينميه، بل ويحض عليه ويشدد النكير على من فرط، أو تهاون فيه.

إن القيام بالمسؤولية تجاه الآخرين شرف للإنسان، فهي مع دلالتها على كمال أهلية الفرد، إلا أنها تنبئ عن أخلاق رفيعة، تغلغلت في أعماقه ... انتجت برا وإحسانا، وصلة وإكراما.

هذا الشعور نشأ وترعرع في ظل المراقبة والخوف من الله تعالى؛ لأن الجزاء أليم على من فرط، والعذاب كبير على من ضيع، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٦)} [التحريم:٦].

إن تقدم المجتمعات ورقيها، منوط بهذا الشعور، فمتى تنامى هذا الشعور وتربع على عروش القلوب، أدى كل فرد ما عليه، وحينها فقط يشعر أفراد المجتمع، بسعادة الحياة وتكاملها.

ومتى اضمحل هذا الشعور، وتخلى كل فرد عما اؤتمن عليه من المسؤولية فماتت الضمائر بعد حياتها، وانقلبت النفوس على أحضان الخير التي تربت عليها، عاش هذا المجتمع بعيداً كل البعد، عن معاني الإسلام السامية وقيمه السامقة؛ لأنه آثر الخيانة على الأمانة، فحين يتخلى الأمام الأعظم عن مسؤوليته، ويخون أمانته، ويغش رعيته، ينتشر الظلم والفساد، وحين يتخلى الأب عن مسؤوليته، تجاه أهل بيته، يعظم الخطر، ويفشو الضرر.

ولذا فإن الإيمان باليوم الآخر، هو السياج الحامي للمجتمعات، من الانزلاق في براثن الفساد، ومعاقل الرذيلة، والتي هي نتاج التهاون في المسؤولية.


(١) ابن القيم: عدة الصابرين، دار ابن كثير - دمشق، ط ٣ ١٤٠٩ هـ، ص (٢٤٧)

<<  <   >  >>