للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الثبات والصبر على الإيمان، هو الذي دفع بزوجة الطاغية فرعون أن تجهر بالإيمان، ولا تخاف أحداً سوى الرحمن، فكانت تسأل من غلب؟ موسى أم السحرة؟ فقيل لها: غلب موسى وهارون، فقالت: آمنت برب موسى وهارون، فشدّد عليها فرعون الخناق، وأجرى عليها ألواناً من العذاب، إلا أنها حين أيقنت بما عند الله من الثواب قالت: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١١)} [التحريم:١١]، فأراها الله تعالى بيتها في الجنة، فنسيت ما هي فيه من العذاب وضحكت، فقالوا: هي مجنونة تضحك، وهي في العذاب (١)، ضحكت حين علمت أن الله تعالى حقق لها أمنيتها في القربة والكرامة، فإنها طلبت جوار القربة، ولبيت في الجوار أفضل من ألف قصر غير الجوار (٢).

وهذا الإيمان بحد ذاته، يُعطي المؤمن قوة، يدفع بها كل المصاعب والمتاعب التي تواجهه، وهو باب من أبواب الثبات بكل صوره ومعانيه.

[٦ - القناعة في الدنيا، والرغبة فيما عند الله تعالى]

وهذا هو ما ربى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه، وذلك حين رأى عمر رضي الله عنه، أثر الشريط في جنب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبكى، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - «مَا يُبْكِيكَ؟» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ، وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الآخِرَةُ» قال: بلى، قال: هو كذلك (٣).


(١) السمرقندي: بحر العلوم، دار الكتب العلمية - بيروت، ٢٠١٠ م (٣/ ٤٧٢).
(٢) القشيري: لطائف الإشارات، الهيئة المصرية العامة للكتاب - مصر، ط ٣، (٣/ ٦٠٩).
(٣) البيهقي: دلائل النبوة (١/ ٣٣٧)، وأصل الحديث في صحيح مسلم، كتاب الطلاق، باب في الإيلاء واعتزال النساء ح (٣٠)، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ت: محمد فؤاد عبد الباقي.

<<  <   >  >>