للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب السابع القنطرة بين الجنة والنار]

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - في الواسطية -:" فإذا عبروا عليه، وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض، فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة" (١).

من كمال عدل الله جل وعلا، أن يقتص لكل مظلوم ممن ظلمه، ولذا كان ديوان مظالم العباد، من الدواوين التي لا يتركها الله عز وجل، حتى يقتص لأصحابها، ويظهر كمال عدله جل وعلا حين يقتص للشاة الجلحاء حين من الشاة القرناء، وهي بهائم، فكيف بالبشر الذين فضلوا وكرموا.

وحيث إن الجنة طيبة مطيبة مكرمة لأهلها، فإن النفوس الخبيثة لا تصلح أن تكون في الجنة الطيبة، التي ليس فيها من الخبث شيء، فمتى كان في النفوس خبث، طهرت وهذبت حتى تصلح لسكنى الجنة (٢).

يقول الإمام ابن تيمية:" والجنة طيبة لا يصلح أن يدخلها إلا طيب، ولهذا لا يدخلها أحد إلا بعد القصاص الذي ينظفهم من الخبث" (٣).

وهذا الأمر مما اتفق عليه الأئمة، فقبل دخول الجنة، لا بد أن تصفى الأجساد من كل كدر، والأنفس من كل غل، يقول الله جل وعلا: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ} [الأعراف:٤٣].

وقال سبحانه وتعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (٤٧)} [الحجر:٤٧].

يقول الإمام ابن القطان الفاسي:" واتفقوا أن الأجساد تدخل مع أنفسها الفاضلة الجنة، بعد أن تصفى الأجساد من كل كدر، والأنفس من كل غل" (٤).

ولذا كان من كمال حكمة الله تعالى، وكمال عدله، حبس المؤمنين إذا خلصوا من النار في قنطرة، يتقاصون ما بينهم من المظالم والتبعات ... ليخلصوا منها، حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة.


(١) ابن تيمية: مجموع الفتاوى، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف - المدينة النبوية: (٣/ ١٤٧)
(٢) ابن تيمية: مجموع الفتاوى، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف - المدينة النبوية: (١٤/ ٣٤٤)
(٣) ابن تيمية: مجموع الفتاوى، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف - المدينة النبوية: (١٧/ ١٧٦)
(٤) ابن القطان: الإقناع في مسائل الإجماع، دار الكتب العلمية - بيروت، ط ١ ١٤٢٦ هـ: (١/ ٥٨)

<<  <   >  >>