للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتتبع الأئمة رحمهم الله تعالى الأحاديث التي ورد فيها الاستثناء من فتنة القبر وسؤاله، فذكر جملة منها الإمام القرطبي في التذكرة، ثم قال:" اعلم رحمك الله أن هذا الباب لا يعارض ما تقدم من الأبواب، بل يخصها، وبين من لا يسأل في قبره، ولا يفتن فيه ممن يجري عليه السؤال، ويقاسي تلك الأهوال، وهذا كله ليس فيه مدخل للقياس ولا مجال للنظر فيه، وإنما فيه التسليم والانقياد لقول الصادق المرسل إلى العباد - صلى الله عليه وسلم - " (١).

٩ - سؤال الملكين حق، يجب الإيمان به والاستعداد له، فمن أجاب نجا ومن تعثر خسر، يقول الإمام الرازي في حكمة سؤال الملكين: "أن الملائكة لما طعنت في بني آدم، بعث الله إليه ملكين يسألانه عن ربه ودينه، فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، فيقول الله: انظروا إليه أخذت روحه وماله وزوجته: فماله لعدوه، وزوجته تحت غيره، ومع ذلك فهو مقر بتوحيدي وتنزيهي، لتعلموا أني أعلم ما لا تعلمون" (٢).

[المطلب الثاني عذاب القبر ونعيمه]

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - في الواسطية -:" ومن الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بكل ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - مما يكون بعد الموت: فيؤمنون بفتنة القبر وبعذاب القبر وبنعيمه، ثم بعد هذه الفتنة: إما نعيم وإما عذاب إلى أن تقوم القيامة الكبرى" (٣).

وما قرره الإمام ابن تيمية في هذا المقام من وجوب الإيمان بعذاب القبر ونعيمه، هو الموافق والمستقر لما أجمعت عليه الأمة وتواترت على القول به وهو الموافق لظواهر النصوص الشرعية.

وهذه الجملة من كلام الإمام ابن تيمية في هذه العقيدة تحوي جملة من المسائل، تحريرها في الآتي:


(١) القرطبي: التذكرة، مكتبة دار المنهاج - الرياض، ط ١ ١٤٢٥ هـ، ص (١٧١)، السيوطي: شرح الصدور، دار المعرفة - بيروت، ط ١ ١٤١٧ هـ، ص (١٤٨)، السفاريني: لوامع الأنوار، مكتبة الخافقين - دمشق، ط ٢ - ١٤٠٢ هـ (٢/ ١١)
(٢) المناوي: فيض القدير، المكتبة التجارية الكبرى - مصر، ط ١ ١٣٥٦ هـ (٤/ ٤٩٣)
(٣) ابن تيمية: مجموع الفتاوى، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف: (٣/ ١٤٥٨).

<<  <   >  >>