للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعليه: فلا بد من يوم يُثاب فيه المحسن، ويعذب ويعاقب فيه العاصي ويُميّز أحدهما عن الآخر (١)، قال تعالى: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ ... } [يونس:٤]، وقال سبحانه: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (١٥)} [طه:١٥] وقد بين الله جل وعلا مقر هذا الجزاء على الأعمال ووقته فقال: {وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:١٨٥].

ففي هذا اليوم العظيم تظهر آثار أسماء الله تعالى وصفاته، ويظهر فيه تمام عدله، وكمال ملكه سبحانه وتعالى.

ولما لم تكن هذه الحياة الدنيا صالحة لتحقيق معنى العدالة التامة من إثابة المطيع، وعقاب العاصي، كان لا بد من وجود يوم آخر يتحقق فيه معنى هذه العدالة، فيجازى كل بما كسب، قال تعالى عنه: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (٤٢)} [إبراهيم:٤٢] وحيث إن الكثيرين من الطغاة في الدار الدنيا يدركهم الموت قبل أن يجرى الله فيهم عدله، فلا بد أن يكون من وراء الغيب وضع آخر يقوم فيه العدل الكامل، الأمر الذي يُنير للعقول الطريق إلى إثبات الحياة الثانية (٢).

[٢ - دليل الحكمة]

إن كل ما يصدر عن الله تعالى له حكمة ظاهرة أو خفية تقتضيه، والله تعالى لما خلق الخلق لم يخلقهم عبثاً، ولم يتركهم سدى، فحكمة الله البالغة تأبى ذلك، يقول تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (١١٥) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٦)} [المؤمنون ١١:٥ - ١١٦].


(١) الرازي: مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط ٣ ١٤٢٠ هـ (٢/ ٣٥٥)
(٢) عبد الرحمن حبنكة: العقيدة الإسلامية، دار القلم - دمشق، ط ٨ ١٤١٨ هـ، ص (٥٨١).

<<  <   >  >>