للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهنا يؤكد القرآن الكريم على حقيقة مهمة، وهي أن كل من أنكر اليوم الآخر، أو مارى فيه بالأوهام والظنون، فإنه يعيش في وهم وفي ضلال بعيد قال جل وعلا: {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ (٨)} [سبأ:٨]، وقال تعالى: {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (١٨)} [الشورى:١٨].

فمن ينكر البعث فهو غداً في العذاب، واليوم في الضلال عن الصواب (١).

وهؤلاء المنكرون الذين يمارون في الساعة، ويجادلون في وجودها ويدفعون وقوعها {لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} أي في جهل بيّن، لأن الذي خلق السموات والأرض قادر عل إحياء الموتى بطريق الأولى والأخرى (٢).

مع العلم أن المشركين لم يكونوا مطبقين على أن البعث غير آت، بل كان منهم من يقر بالبعث، ومنهم من يتشكك في أمره، كما قال تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (١) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (٢) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (٣)} [النبأ:١ - ٣].

[المطلب الثاني إيمان بعض الجاهليين بالبعث]

مع وجود التيار الجارف الذي كان يصب في عقول المنكرين للبعث، بأنه لا بعث ولا حساب، ولا حقيقة لما يقال من وجود يوم آخر، وإنما هي أرحام تدفع وأرض تبلع، ومع هذا الركام العقائدي المنحرف، وُجد جمع من عقلاء العرب وحكمائهم، كانوا غير موافقين لما ابتدع، ولا متبعين لما شرع من عبادة الأصنام، وإنكار البعث والقيام لرب العالمين.

فكان فريق من الجاهليين العرب يؤمنون بالبعث وحشر الأجساد بعد الموت، وكان هذا ظاهراً في أشعارهم ومنهم:

١: يقول زهير بن أبي سلمى في معلقته الطويلة:


(١) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، دار الكتب المصرية - القاهرة، ط ٢ - ١٣٨٤ هـ، (١٩/ ١٧٠).
(٢) ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، دار طيبة للنشر والتوزيع، ط ٢ - ١٤٢٠ هـ، ت: سامي سلامة (٨/ ٣٠٧).

<<  <   >  >>