للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحين يتأمل في الميزان الذي توزن فيه أعمال العباد، يسعى حثيثاً لملئه بكل خير، "فإذا أردت أن ترى صورة الوزن هاهنا، انظر إلى نفسك في هذا العالم ما علا فوقك نور كله، وسمو وارتفاع إلى الله، وإلى الدار الآخرة والجنة، وما سفل من الدنيا إلى أسفل سافلين، غفلة وعصيان، وجهل وظلام، إلى سجين ونار جهنم، والعبد قائم بينهما، موزون بحركاته وسكناته، في الخير والشر" (١).

وحين يتأمل في الصراط وزلته، وأن النار تحته تتخطف المجرمين والظالمين، بكلاليب وخطاطيف من نار، وأن أهل الإيمان يسعون فيه قدر أعمالهم، سعى لما يخلصه من هذا الهول، ويصرف عنة هذا الخوف، فسارع إلى الخيرات، وسابق إلى الحسنات، وفر عن المعاصي والسيئات.

وحين يتأمل في مكرمات الرحمن في الآخرة، وما أعده سبحانه لأهل طاعته، تتوق نفسه أن يكون من أهلها، وأن ينهل من بركتها وخيرها، فيعلم أن لا رجاء في تحصيلها، إلا لمن كان على الحق قائماً، وعلى الطاعة ملازماً، وعلى الإيمان والتوحيد محافظاً، فحينها لا يجد بُداً من أن يسير في ركابهم، ويلتحق بنجائبهم؛ لعله يفوز بأعلى المراتب، ويحظى بالمكرمات، وأفضل المكاسب.

إن آثار الإيمان باليوم الآخر على الفرد، لا تنحصر في جهة دون أخرى، وإنما تشمل هذه الآثار جهات عدة من حياة الفرد، ولذا فالحديث عن هذه الآثار ... ينتظم المطالب التالية:

[المطلب الأول: الثراء المعرفي الموجب للأثر التعبدي وغيره]

يسعى الفرد المسلم لتحقيق ذاته في هذه الحياة، وهذا منوط بالأسباب التي جعلها الله تعالى، كفيلة لتحقيق هذا الهدف، وهي بدورها تعكس آثارها النفسية، والسلوكية، والأخلاقية، والتعبدية، على هذا الفرد المسلم، وهذه الآثار الإيجابية التي يجنيها المسلم، جراء إيمانه باليوم الآخر، فتظهر آثارها في أقواله وأفعاله، وحركاته وسكناته، هي أثر نابع عن الثراء المعرفي، الموجب لهذا الأثر التعبدي وغيره.

وهذا الثراء المعرفي له مظاهر، وأسباب، ونتائج، هي موجب الأثر التعبدي وغيره.


(١) القصري: شعب الإيمان: ص (٦٠٣)

<<  <   >  >>