للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما آثار الإيمان باليوم الآخر الإيجابية المنعكسة على الفرد، فلا تكاد تُحصى لأن آثارها في الشخص الذي استقر الإيمان باليوم الآخر في قلبه، وأصبح ماثلاً أمام عينيه، يكون ظاهراً ملحوظاً ملموساً لدى العيان،، فهو يعلم أن الوصول إلى الجنة شاق، فطريقها محفوف بالمكاره، فيصبر ويصابر؛ ليظفر بالنعيم المقيم، ويعلم أن الوصول إلى النار سهل ميسر، فطريقها محفوف بالشهوات والملذات، التي تحبها النفس، ويشتهيها الطبع، ويميل إليها القلب، ولكنه يصبر عنها؛ خوفا مما سيقاسيه من المخاوف والآلام في النار.

إن مشاهد الآخرة التي تحدثنا عنها، من الموت، والبعث، والحشر والحوض، والميزان، والصراط، والشفاعة، كلها تَدَعُ أثراً إيجابياً في نفس المؤمن بها، ينعكس هذا الأثر على سلوكه وأخلاقه.

فحين يتأمل المرء في الموت وكربته، القبر وظلمته، ويتذكر أهل القبور الذين انقطعت عنهم الأعمال، وتوقفت بهم الآمال، حينها فقط: يشعر المرء بحقارة هذه الدنيا، وما أورثته في قلوب أهلها من غفلة، فيقوم وينفض عنه أوحال المعصية، ويستعد بالزاد الذي يقربه إلى الله زلفى.

يقول العلامة القصري:" ومن حقائق الإيمان بهذا الباب: أن يعد العبد نفسه من أهل القبور، ويجعل الجسد للروح كالقبر، ويغيب فيه بالخلوة والإخلاص عن الخلق، ويعلق الروح بالعالم الأخراوي العلوي، فيسري ويطير مع النفس في الملكوت بالفكر، ويتنعم بأنواع الذكر، فيكون في روضة من رياض الجنة، تأوي إلى ربه في كل حال" (١).

وحين يتأمل في الحساب وشدته، وينظر في أحوال الناس يومئذ، يورث في نفسه سعياً لأن يكون من أهل اليمين، الذين يحاسبون حساباً يسيراً. وأقل الناس يومئذ حساباً، "أهل الورع في الدنيا، فلم يبق لهم إلا العرض على الملك المحاسب فقط" (٢).


(١) القصري: شعب الإيمان ت: سيد كسروي، ص (٥٨٢)
(٢) القصري: شعب الإيمان، دار الكتب العلمية - بيروت، ط ١ ١٤١٦ هـ ص (٥٩٦)

<<  <   >  >>