للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٥ - تماسك المسلم عن السقوط والانهيار]

كم هي الأمور المؤلمة التي تمر على الإنسان، فتغير مسار حياته، فيسير في أودية الدنيا حيران، تتخطفه الأحزان والأوهام، وتخط جسده الهموم والأسقام. وفي ساعة الانكسار والهزيمة، التي يرى أن حياته لم يبق لها معنى، وأن وجوده أصبح سدى دون مغزى، في هذه الساعة فقط، يسري في فؤاده أمل كبير، يخيم على حياته، فيُحي فيها الإيمان المغمور، ويُوقظ فيها الخير المبرور، ويُخرج منها الكنز المستور. إنه الأمل المنشود في الحياة الآخرة التي جعلها الرب جل وعلا، كمال نعيم للمؤمنين، ووسام عز للمتقين، وتاج شرف للمصدقين، فيسري هذا الأمل في نفسه، فيغذيه بمعاني الثبات، ويفجّر في داخله روح الحياة، فتحول بينه وبين تلك المزعجات المؤلمات، فيبقى ثابتاً صابراً محتسباً، يعلم أن ما عند الله خير وأبقى {وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (١٦٩)} [الأعراف:١٦٩].

وهذا التماسك المبني على التعلق بالله جل وعلا، يورث أثراً نفسياً آخر من آثار الإيمان باليوم الآخر، وهو:

[٦ - التسليم والرضا بكل ما يجري من المقادير]

حين يصبح الإنسان ويمسي، ولسانه يلهج بالرضا عن الله تعالى يقول: «رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبياً ورسولاً»، فهو يقر ويعترف بأن كل ما يجري في هذا الكون، إنما هو بقضاء من الله وقدره فيقابله بالرضا والتسليم، فالرضا عن الله تعالى من المقامات العلية، وهي من أعلى مقامات اليقين بالله تعالى (١)، حتى قال بعضهم: "الرضا باب الله الأعظم وجنة الدنيا، وسراج العابدين" (٢)، فطوبى لرجل عاش راضياً عن الله تعالى مُسَلّماً له بكل ما جرى به القلم.

إن الرضا مقام كبير، ومنزلة عزيزة، وهو مقام أعلى من مقام الصبر، "أجمع العلماء على أنه مستحب مؤكد استحبابه" (٣).


(١) أبو طالب المكي: قوت القلوب، دار الكتب العلمية - بيروت، ط ٢ - ١٤٢٦ هـ (٢/ ٦٣).
(٢) القشيري: الرسالة القشيرية، دار المعارف - القاهرة، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها، (٢/ ٣٤٢).
(٣) ابن القيم: مدارج السالكين، دار الكتاب العربي - بيروت، ط ٣ ١٤١٦ هـ (٢/ ١٦٩).

<<  <   >  >>