للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذكر الحافظ أبو نعيم، أن ذر بن عمر بن ذر، مات فجأة، وكان من حاله أنه كان باراً بأبيه، فلما مات ذر، قال أصحابه: الآن يضيع الشيخ، فإنه كان بارا به، فسمعها الشيخ فبقي متعجباً، ثم التفت إليهم وقال: أضيع والله حي لا يموت! ثم سكت حتى دفن، فلما واروه التراب، وقف على قبره ليسمعهم، فقال: رحمك الله يا ذر، ما علينا بعدك من خصاصة، وما بنا إلى أحد مع الله حاجة، وما يسرني أن أكون المقدم قبلك، ولولا هول المطلع لتمنيت أن أكون مكانك، ثم رفع رأسه وقال: (اللهم قد وهبت حقي فيما بيني وبينه له، اللهم فهب حقك فيما بينك وبينه له)، فبقي القوم متعجبين مما جاء منهم، ومما جاء منه من الرضا والتسليم (١).

وقال أهل العلم: الرضا ثمرة من ثمرات المحبة (٢)، له تعلق بالقلب، كماله الحمد. والحمد على الرضا له مشهدان:

أحدهما: علم العبد بأن الله سبحانه مستوجب لذلك، مستحق له لنفسه أحسن كل شيء خلقه، وأتقن كل شيء، هو العليم الحكيم.

الثاني: أن يعلم أن اختيار الله لعبده المؤمن، خير من اختياره لنفسه (٣).

إن علامة الرضا عن الله تعالى: الرضا بقضاء الله، وهو سكون القلب إلى ... أحكام الله، والتفويض إلى الله قبل الرضا، والرضا بعد التفويض (٤).

أخرج مسلم في صحيحه، عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - رَسُولًا» (٥).


(١) المنبجي: تسلية أهل المصائب، دار الكتب العلمية - بيروت، ط ٢ - ١٤٢٦ هـ، ص (٨٠).
(٢) الغزالي: إحياء علوم الدين، دار المعرفة - بيروت، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها (٤/ ٣٤٣).
(٣) المنجي: تسلية أهل المصائب، دار الكتب العلمية - بيروت، ط ٢ - ١٤٢٦ هـ، ص (١٥٩).
(٤) المحاسبي: آداب النفوس، دار الجيل - بيروت، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها (١٥١).
(٥) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا ح (٣٤).

<<  <   >  >>