للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٨ - تسلية المؤمن عما يفوته من أمور الدنيا، وتخفيف الهموم والأحزان]

المؤمن بالآخرة يسترخص كل ألم يناله في الدنيا، ولا يندم على ما فاته منها لأن العوض كبير من الله الكبير المتعال. فكل من فقد شيئاً من الدنيا، متى وازن بينه، وبين ما أعده الله تعالى له في الآخرة، من الأجر والنعيم - إن صبر واحتسب -، قدم ما عند الله تعالى من الفضل والكرم، وآثر الآخرة على الدنيا؛ لأن متاع الدنيا قليل، والآخرة خير وأبقى، يقول جل وعلا: ... {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (٣٨)} [التوبة:٣٨]، سماه جل وعلا متاعاً، ولكنه بالنظر إلى نعيم الآخرة قليل يسير.

يقول الإمام الرازي:" والدليل على أن متاع الدنيا في الآخرة قليل: أن لذات الدنيا خسيسة في أنفسها، ومشوبة بالآفات والبليات، ومنقطعة عن قريب لا محالة، ومنافع الآخرة شريفة عالية، خالصة عن كل الآفات ودائمة أبدية سرمدية، وذلك يوجب القطع بأن متاع الدنيا، قليل حقير خسيس " (١)، ويدل عليه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «وَاللهِ مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ فِي الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ؟» (٢)، وقوله عليه الصلاة والسلام: «وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا» (٣).

إن شواهد الصبر والرضا عن الله تعالى، المورثة لطمأنينة القلب، وراحة الجسد كثيرة، وهي مصدر تسلية للمؤمن، عما يفوته من مصالح وخيرات في الدنيا، مع ما تغرس في قلبه، من ثبات يدفع به ما يدهمه من الآلام والأحزان؛ كل هذا لما يؤمله من عوض من الواحد الديان سبحانه المنان.


(١) الرازي: مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط ٣ ١٤٢٠ هـ (١٦/ ٤٧)
(٢) أخرجه مسلم كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة ح (٢٨٥٨).
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الجهاد والسير، باب فضل رباط يوم في سبيل الله ح (٢٨٩٢).

<<  <   >  >>