للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومما يُذكر في هذا المقام ما حكاه الكتاني قال: حُكي لي عن رجل من أهل الرقة، أنه كان محاسباً لنفسه، فنظر يوماً فإذا هو ابن ستين سنة، فحسب أيامها، فإذا في أحد وعشرين ألف يوم وخمس مائة يوم، قال: فصرخ صرخة وخر مغشيا عليه، وقال: يا ويلتاه ... ألقى ربي بأحد وعشرين ألف وخمس مائة ذنب؟ على أن يكون في اليوم ذنب واحد، فكيف ولي في كل يوم عشرة آلاف ذنب! قال: فغشي عليه ثانياً، فحركوه فإذا هو ميت (١).

وهذه المحاسبة تبعث على أثر آخر، من آثار الإيمان باليوم الآخر، وهو:

[٩ - التوبة إلى الله عز وجل]

يقول الإمام ابن القيم:" التوبة بين محاسبتين، محاسبة قبلها تقتضي وجوبها ومحاسبة بعدها تقتضي حفظها، فالتوبة محفوفة بمحاسبتين " (٢). ولذا كانت منزلة التوبة من المنازل العظيمة، والمقامات الجليلة، يقول الإمام ابن القيم:" ومنزل التوبة، أول المنازل، وأوسطها، وآخرها، فلا يفارقه العبد السالك، ولا يزال فيه إلى الممات، وإن ارتحل إلى منزل آخر ارتحل به واستصحبه معه ونزل به، فالتوبة هي بداية العبد ونهايته" (٣).

والتوبة النصوح والاستمرار عليها، أمر عزيز، يحتاج إلى صبر ومجاهدة والناس في هذا المقام على طبقات:

- فمنهم من يستقيم على التوبة إلى آخر عمره.

- ومنهم من يتوب، ويستمر على الاستقامة مدة، ثم تغلبه شهوته في بعض الذنوب، فيقدم عليها؛ لعجزه عن قهر الشهوة.

- ومنهم من يتوب، ويجري مدة على الاستقامة، ثم يعود إلى الذنوب منهمكاً، من غير أن يُحدّث نفسه بالتوبة، ومن غير أن يتأسف على فعله فيخاف على هذا من سوء الخاتمة (٤).


(١) أبو عبد الرحمن السلمي: الفتوة، دار الرازي - الأردن، ط ١ ١٤٢٢ هـ، ص (٢٣).
(٢) ابن القيم: مدارج السالكين، دار الكتاب العربي - بيروت، ط ٣ ١٤١٦ هـ (١/ ١٨٧).
(٣) ابن القيم: مدارج السالكين، دار الكتاب العربي - بيروت، ط ٣ ١٤١٦ هـ (١/ ١٩٦).
(٤) ابن قدامة: مختصر منهاج القاصدين، دار البيان - دمشق، ١٣٩٨ هـ، ص (٢٦٦).

<<  <   >  >>