للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومقام المحاسبة في الدنيا، يقود إلى إحسان العمل، والاجتهاد في الطاعة والعبادة، يقول إبراهيم التيمي: مَثَّلثُ نفسي في الجنة آكل من ثمارها وأشرب من أنهارها، وأعانق أبكارها، ثم مَثَّلثُ نفسي في النار، آكل من زقومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها وأغلالها، فقلت لنفسي: يا نفس، أي شيء تريدين؟ فقالت: أريد أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحاً، قلت: فأنت في الأمنية فاعملي (١).

ومن هنا قال الحسن: إن المؤمن أسير في الدنيا، يسعى في فكاك رقبته، لا يأمن شيئاً حتى يلقى الله تبارك وتعالى (٢).

ويقول أبو بكر بن عياش: قال لي رجل مرة وأنا شاب: خلص رقبتك ما استطعت في الدنيا من رق الآخرة، فإن أسير الآخرة غير مفكوك أبداً. قال أبو بكر: فما نسيتها بعد (٣).

وهذه المحاسبة التي تقود إلى الله تعالى، والتي منبعها الخوف من يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، هي التي كان عليها السلف، وهم أحرص الناس على الآخرة، يقول أنس بن مالك رضي الله عنه، سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوماً، وخرجت معه حتى دخل حائطاً، فسمعته يقول وبيني وبينه جدار، وهو في جوف الحائط: (عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، بخٍ، والله لتتّقينّ الله ابن الخطاب، أو ليعذبنك) (٤).


(١) الغزالي: إحياء علوم الدين، دار المعرفة - بيروت، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها (٤/ ٤٠٥).
(٢) ابن أبي الدنيا: محاسبة النفس، دار الكتب العلمية - بيروت، ط ١ ١٤٠٦ هـ، ص (١٢٢).
(٣) ابن أبي الدنيا: محاسبة النفس، دار الكتب العلمية - بيروت، ط ١ ١٤٠٦ هـ، ص (١٢٢).
(٤) ابن أبي الدنيا: محاسبة النفس، دار الكتب العلمية - بيروت، ط ١ ١٤٠٦ هـ، ص (١٢٣).

<<  <   >  >>