للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[١ - قبول الحق وعدم رده]

متى استقر الإيمان باليوم الآخر في قلب المرء وسكن فؤاده، وعلم علم اليقين أنه يوم يجمع الله تعالى فيه الأولين والآخرين، فيسألهم ربهم ويحاسبهم يقول الله تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (٦)} [الأعراف:٦]، فيسألهم: هل قبلوا دعوة الرسل، واستجابوا لها، وانقادوا وأطاعوا، أم قابلوها بالعناد، والاستكبار، واتباع الهوى، وتقليد الآباء، ثم طفقوا لمحاربتهم عليهم الصلاة والسلام، فمن استقرت في نفسه هذه المعاني وشعُر بعظم المسؤولية، وهول الموقف، واطمأن لحكم الله تعالى العدل، قبل كل ما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام من الشرائع والأحكام.

إن المحل المهيأ للقبول، الذي هو محل الرضا والسخط، هو قلب العبد المتقي المنيب إلى ربه، الخائف منه، الذي يبتغي رضاه، ويُومل في كرمه وجوده وسخاه، وهذه الصفات إنما هي نتاج الإيمان باليوم الآخر.

أما من خلا قلبه من الإيمان بالآخرة، وسكن فؤاده حب الدنيا، عَسُرَ عليه قبول الحق، وربما قُطعت عنه مادة الاهتداء، وهي إسماع قلوب وإفهامه ما ينفعه؛ وذلك لعدم قبوله وانقياده، "فإن الرجل إنما ينقاد للحق، بالخير الذي فيه، والميل إليه، والطلب له، ومحبته، والحرص عليه، والفرح بالظفر به، وهؤلاء ليس قلوبهم شيء من ذلك" (١).

فالإيمان باليوم الآخر أثره في القلب، كأثر الغيث النازل من السماء، الواقع في أرض طيبة قابلة، فأمسكت الماء وانبتت الكلأ والعشب، فالماء في نفسه رحمة وحياة، ووافق أرضاً قابلة له، فأصابها من هذه الرحمة والحياة، وهكذا أثر الإيمان بالآخرة، يقع على القلب المريض، فيفيض عليه من الأنوار، ما يكون سبباً في حياته واستقامته.

ولذا فلا بدّ من أمرين للعبد في هذا المقام:

١) التذلل للأمر، وذلك بتلقيه بذلة القبول والانقياد والامتثال، ومواطأة الظاهر الباطن، مع إظهار الضعف والافتقار إلى الهداية للأمر قبل الفعل، والإعانة عليه حال الفعل، وقبوله بعد الفعل.


(١) ابن القيم: إغاثة اللهفان: (٢/ ١٧١)، ابن القيم: الفوائد، دار الكتب العلمية -بيروت، ط ٢ - ١٣٩٣ هـ، ص (٢٠٦).

<<  <   >  >>