للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كلمات الغلام، أقضت مضجع عمر، وحركت مكامن الخوف في داخله ولكنها انتزعت الشاب المرفه، فجعلته في قامة العباد الزاهدين. وكم أقضّت هذه الكلمات مضاجع الصالحين، وأراقت دموع الخائفين الوجلين، فهذا حرم بن حيان العبدي، يحكي عن حممة بن أبي حمية الدوسي، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقول: إنه بات عنده، فرآه يبكي الليل أجمع، فقال له هرم: ما يبكيك؟ قال: ذكرت ليلة صبيحتها تتناثر النجوم (١).

وحكى الإمام الذهبي في السير: "أن بعض الخلفاء سأل عمر بن ذر عن القدر، فقال: هاهنا ما يُشغل عن القدر؟ قال: ما هو؟ قال: ليلة صبيحتها يوم القيامة، فبكى وبكى معه " (٢).

ولذا يقول أبو نواس (٣):

سبحان ذي الملكوت أيَّة ليلة ... مخضت صبيحتها بيوم الموقف

لو أن عيناً وهّمتها نفسها ... ما في المعاد محصلاً لم تطرف

إن ذكرى الآخرة، أقوى معين على التوبة، يقول الحماني: كان بدء توبة داود الطائي، أنه دخل المقبرة فسمع امرأة عند قبر وهي تقول:

مقامي إلى أن يبعث الله خلقه لقاؤك لا يُرجى وأنت قريب

تزيد بلى في كل يوم وليلة ... وتسلى كما تبلى وأنت حبيب (٤)

[خلاصة المطلب]

أن الإيمان باليوم الآخر، له دور فاعل، في بناء الأخلاق الفاضلة، وردم الأخلاق السيئة المهينة.

وأن الإيمان باليوم الآخر، يخلق في نفس المؤمن أملاً، بأن حقه لن يضيع وعمله لن يذهب سدى، لذا فهو يسعى بكل ما أوتي من قوة، نحو الأعمال الصالحة؛ مخافة أن يدركه الموت قبل أن يدركها.

وأن الإيمان باليوم الآخر، مشعل نور وهداية للمؤمن، ينير له دروب السعادة، فيعيش هادئ البال مطمئنا، لا تزعجه حوادث الدهر، راضياً بما قضاه الله وقدر.


(١) ابن الأثير: أسد الغابة، دار الكتب العلمية - بيروت، ط ١، (٢/ ٧٥).
(٢) الذهبي: سير أعلام النبلاء، دار الحديث - القاهرة، ١٤٢٧ هـ، (٦/ ٣٨٧).
(٣) الذهبي: سير أعلام النبلاء، دار الحديث - القاهرة، ١٤٢٧ هـ، (٨/ ٤٨).
(٤) ابن قدامة: كتاب التوابين، دار ابن حزم، ط ١ ١٤٢٤ هـ، ص (١٢٦).

<<  <   >  >>