للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الأول الإنسان سيد هذا الكون

[تمهيد]

الإنسان هذا الكائن العجيب، الذي هو مدار هذا الكون وسره خُلق في أحسن تقويم، وكُرّم خير تكريم، وقد فاق جميع الكائنات الأخرى ولذا سعت كل المجتمعات، وجهدت كل العقول، لتفسير معنى هذا الكائن العجيب الذي رُكبت فيه كل هذه المعاني العظيمة، فمن قائل: إنه حيوان ناطق، ومن قائل: إنه مدني بالطبع، ومن قائل: بوصف التشريف، هو أفضل من الملائكة، ومن قائل بوصف التقبيح: هو أخبث من الشياطين ومع ذلك يظل "الإنسان غاية في نفسه، مستقلاً، مختلفاً في قيمه ومشاعره عن سائر الكائنات، منفرداً بعقله الذي حقق بواسطته، السيادة المطلقة، عن كل ما دونه من الكائنات" (١).

في حين تسري هذه النظريات في تفسير هذا الكائن العجيب، تظهر نظريات أخرى أكثر جنوحاً؛ لتظهر غير هذا الكائن العجيب، في محل الخسائس فقط دون غيرها، وهذا ما يصرح به أمثال فرويد، حيث يرى "أنه كائن أرضي بحت، لا يرتفع بمشاعره وعواطفه عن عالم الأرض، إلا في حالات الشذوذ" (٢).

لكن من خلق هذا الكائن، وصّوره في أحسن تصوير، هو أعلم بحقيقته وما الذي يُراد منه، وهو الذي ركب فيه النوازع المختلفة، التي تنازعه لسلوك طرق الخير والشر. فالإنسان في التصور الشرعي الإسلامي: هو ذاك الكائن المكلف، الذي تحمّل أمانة التكاليف الشرعية، يقول جل وعلا: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (٧٢)} [الأحزاب:٧٢].

فالإنسان في الإسلام: جسم، وروح، وعقل، وبالأخير حصل له التكريم والتكليف.


(١) هادي فضل الله: الإنسان في القرآن الكريم، مقال في موقع البلاغ www.Balagh.com بتاريخ: ٤/ ٢/٢٠١٣ م.
(٢) محمد قطب: الإنسان بين المادة والإسلام، دار الشروق- القاهرة، ط ١٠ ١٤٠٩ هـ، ص (١٩)
وصور هذا التكريم الموجب للتكليف، ومظاهره، فهو محور حديثنا في المطلب الأول.

<<  <   >  >>